تتابع هبة عبدالعزيز مباريات المنتخب السعودي بشغف وحماسة وتدعو له بالفوز، ولكنْ، ليس تشجيعاً منها للمنتخب وإنما تفادياً لغضب والدها الذي كلما حظي المنتخب بهزيمة يطفئ أنوار البيت ويجبر أفراد أسرته على النوم باكراً، ويفرض عليهم الصمت وحظر التجول. مباريات المنتخب السعودي ونادي الاتحاد تجعل بيت «أم محمد» في حالة استنفار، إذ تُمنع من الخروج من المنزل وقت المباراة، والمصيبة الأكبر لو انهزم المنتخب أو الاتحاد، فتنعكس الهزيمة على نفسية زوجها سلباً. فيثور لأتفه الأسباب، ويحرم أسرته من النزهة ومن طلباتها الضرورية، كل ذلك بسبب تعكر مزاجه، كأنه يعاقب افراد العائلة. وفي المقابل، فإن فوز المنتخب يجعله في قمة سعادته ويلبي لأسرته كل طلباتها. حال هبة وأم محمد وعائلتها، ليست شاذة ولا هي استثناء، بل تمر عائلات كثيرة بأزمة من هذا النوع مع رب الأسرة أو مع الإخوة الذكور. ويصف استشاري الطب النفسي والمدير العام للشؤون الصحية بحائل، الدكتور نواف الحارثي، الأشخاص المهووسين بمشاهدة كرة القدم، بالبسطاء وافتقارهم إلى اهتمامات أخرى ذات قيمة. ويحذّر من تحول الترفيه إلى «عقيدة مبالغ فيها تؤثر على أفكارنا ومشاعرنا وسلوكنا، إذ نرى من يُغمى عليه أو يصاب بتشنج داخل مدرجات الملاعب، أو الزوج الذي تتحول هزيمة فريقه إلى وبال على زوجته وأطفاله الذين لا ذنب لهم». ويعيد الحارثي أسباب الهوس بمشاهدة كرة القدم إلى محاور رئيسة، أهمها البيئة والتنشئة، «فالطفل خلال نشأته يتشرب سلوكيات البيئة المحيطة به وأفكارها، وبحسب نسبة التركيب يكون التأثير. وقد يُعتبر هذا الاهتمام المبالغ فيه طبيعياً في مرحلتي الطفولة والمراهقة، ولكن الأمر الذي يجعله يستمر ويتضخم هو الزخم الإعلامي الذي تستثمر فيه أموال طائلة، من خلال الصحف والقنوات والمشاهير». وبذلك أصبح «يغذي نسبة من النشء حتى يصبح مهووساً بكرة القدم، ما يؤثر عليه بشكل واضح اجتماعياً ووظيفياً». ويضيف الحارثي عنصراً آخر، هو المستوى التعليمي للمهووسين بالتشجيع ومشاهدة كرة القدم وعدم اهتمامهم بقضايا ذات أهمية للفرد، معتبراً أنه كلما ارتفع المستوى التعليمي ارتفع الاهتمام بقضايا المجتمع والقضايا الشخصية، وتدنت نسبة الهوس بكرة القدم، «علماً بأن المبالغ الطائلة التي تدفع للاعبين والشهرة والامتيازات الأخرى قد تجعل بعضهم يندم لأنه لم يحاول يوماً أن يكون لاعب كرة قدم». ويؤكد في النهاية ضرورة الالتفات إلى الجيل الجديد «كي نضمن عدم تحوله إلى جمع مهووسين، وعدم تكرار «المأساة».