ثلاث سنوات مضت على «زواج» هلا وأحمد، بحفلة زفاف وفستان أبيض ومدعوين، ولكن من دون عقد قران، لأن هلا رفضت التذلل لعمّها ليثبّت زواجها. تقول هلا: «منذ 15 عاماً، أصبحت بالغة راشدة ومسؤولة عن تصرفاتي أمام القانون، حتى أنني حصلت على رخصة قيادة تضع حياة الآخرين بين يدي. أما قيادتي لحياتي الشخصية فممنوعة لأنني أنثى». وتتابع أنها اكتشفت ذلك عندما ذهبت مع أمها وخطيبها «لكتب الكتاب»، فإذا بها تفاجأ «بأنني أحتاج إلى عمي، الذي لم أره منذ أكثر من 25 سنة يوم وفاة والدي، واستيلائه على تركتنا من هذا الأخير». ومن أجل التحايل على القانون، لا يبقى أمام هلا وزوجها إلاّ حل واحد يقضي بأن تحمل منه وترفع عليه دعوى من أجل تثبيت زواجها الذي تعتبره والدة هلا مكتمل الأركان. وتقول: «هو زوجها سواء اعترف به القانون أم رفضه». وترفض أم هلا الاعتراف بالقانون الذي يرهن قرارهم وحياتهم «بذلك الإنسان الذي ظلم ابنتي طوال حياتها، ليثبت شرعية زواجها». حكاية هلا واحدة من قصص يثيرها قانون الأحوال الشخصية السوري، الذي يفرض موافقة «ولي أمر» المرأة ووجوده ليُعقد قرانها. وتعرّف المحامية دعد موسى الولاية بأنها «إعطاء الأب أو الجد السلطة لصيانة مصلحة الصغير أو القاصر، وتقسم الولاية إلى ولاية إجبار: مفروضة بالشريعة على القاصر وفاقدي الأهلية، وولاية ندب: الولاية على المرأة البالغة في إجراء عقد الزواج». وعلى رغم أن الدستور السوري يقول بأهلية الرجل والمرأة بسن الثامنة عشرة، فإن قانون الأحوال الشخصية يعطي الولي حق الاختيار والموافقة على زواج وليته. وتنص المادة 20 منه على انه «إذا أتمت الكبيرة 17 سنة، يطلب القاضي بيان رأي الولي، فإذا لم يعترض أو كان اعتراضه غير جدير بالاعتبار يأذن القاضي لها بالزواج بشرط الكفاءة»، علماً أن الكفاءة تعرّف بأنها «تابعة لعرف البلد». أما المادة 27 من القانون ذاته فتنص على أن تزويج الكبيرة لنفسها من غير موافقة الولي يعطيه الحق بفسخ العقد إذا كان الزوج «غير كفء». وحول الهدف من ولاية الرجل على المرأة، يشير الاستاذ عبدالرحمن كوسا إلى أنه «تنظيم للحياة الأسرية، فالإسلام يقدس الحياة الأسرية، والفتاة معروفة باتباع عاطفتها القوية، فقد تقع بمغريات شاب وكلامه المعسول وتنسى متطلبات الحياة ومشاكلها، وبذلك تشكل أسرة قائمة على أحلام وتفشل». الحفيد ولي أمر جدته وتشير المحامية والناشطة في مجال حقوق المرأة أمل يونس إلى أن امرأة في الخمسين من عمرها لا تستطيع أن تتزوج «من دون موافقة ابنها أو حتى حفيدها البالغ، لأن الولي هو العصبة بحسب الورث، أي ابنها أولاً ثم ابنه ثم والدها ثم الأعمام». وترى يونس أن مصدر هذا القانون ينطلق من «اعتبار المرأة بحاجة للرجل لينفق عليها ويقرر الأنسب لها»، مشيرة إلى أنه «قديماً، لم يكن عمل المرأة ممكناً، ووضعها أصبح مختلفاً تماماً». سورية كانت تحفظت عن المادة 16 من اتفاقية «إلغاء جميع أشكال التمييز ضد المرأة» (سيداو) عندما وقعت عليها عام 2002، لأنها تتعلق بالمساواة في الحقوق والمسؤوليات أثناء الزواج وعند فسخه. على رغم وجود أكثر من 100 قاضية سورية، وتعريف القانون السوري للقاضي بأنه «ولي من لا ولي له»، فإن المرأة السورية ما زالت في القانون «غير مؤهلة بما يكفي» لتتولى أمر نفسها.