ربما كان المهرجان الوطني للتراث والثقافة، في سنته الخامسة والعشرين، أفضل جنادرية حضرتها، فقد جمعت ما توقعت من الأوبريت الغنائية في حفلة الافتتاح وجلسات الحوار بمشاركة بعض أفضل العقول العربية والعالمية الى الأسباب الخاصة. من هذه الأسباب أن أرى الملك عبدالله بن عبدالعزيز يتابع نشاطات المهرجان بهمة الشباب يوماً بعد يوم من سباق الهجن في اليوم الأول وحتى الاختتام، ومعه الملك حمد بن عيسى الذي أستطيع أن أقول إنه صديق شخصي. وأسعدني في شكل خاص أن أرى الأمير سلطان والأمير سلمان للمرة الأولى بعد تعافي ولي العهد وعودته الى الوطن مع أمير الرياض الذي رافقه خلال رحلة العلاج ثم النقاهة. ليس الموضوع هنا إمارة أو منصب عالٍِ، وإنما صداقة ومودّة على مدى عقود، ثم إن بين أقرب الأصدقاء وأعزهم خالد بن سلطان ثم لا أنسَى فهد بن سلمان وأحمد بن سلمان، رحمهما الله. كنت رأيت الأمير سلطان والأمير سلمان للمرة الأخيرة قبل رحلة العلاج في دارة الأخ عبدالمقصود خوجة في جدة، لذلك سرني أن أرى ولي العهد وقد استرد صحته، كما سرني أن يعود الأمير سلمان الذي اعتدت ألا أزور الرياض إلا وأعرّج على الإمارة لمقابلته. كان هناك أيضاً الأمير مقرن بن عبدالعزيز، وحديث سريع رغم تزاحم الناس حولنا. أما الأمير متعب بن عبدالله فبدا وكأنه «أبو العروس» فهو نائب رئيس اللجنة العليا للمهرجان ويشرف على أنشطته كافة. وهو استضاف مئات المشاركين على غداء في الجنادرية فكانت فرصة لسماع حديثه، وأيضاً رؤية الشيخ عبد المحسن التويجري. كنت من البداية عزمت أن أحضر جلسة حوار موضوعها «رؤية الملك عبدالله بن عبدالعزيز للحوار والسلام وحوار الآخر»، وحضرتها، غير أنني في الليل شاركت في برنامج «القاهرة اليوم» الذي يقدمه الزميل عمرو أديب، وبقيت والصديقين مأمون فندي وجورج قرداحي معه حتى الثالثة صباحاً. ثم قضينا ساعة في الوقوف لالتقاط صور مع بعض الحاضرين، وعدنا الى غرفنا في حوالى الخامسة صباحاً. ووجدت في الصباح ورقة دُفع بها عبر أسفل باب الغرفة تقول إن الأمير متعب يتمنى على المشاركين حضور الأنشطة الثقافية للمهرجان كافة. واعتقدت أن غيابي في الصباح حُسب عليّ، إلا أنني وجدت أن الرسالة أرسلت الى جميع المشاركين. عندي ملاحظتان «لزوم» الموضوعية: الأولى أن بعض الجلسات كان طويلاً والمشاركين ليسوا كلهم شباباً، وأتمنى لو أن المواضيع تقسم في جلسات متوالية مدتها أقصر. الثانية، أن الجهد في إعداد المهرجان ومتابعة كل تفاصيله فائق ومع ذلك فإصدارات المهرجان خلت على كثرتها من كتاب يضم أسماء جميع المشاركين ونبذة مختصرة في سطور عن عمل كل منهم واختصاصه، ما يصلح مرجعاً للراغب في متابعة جلسات الحوار وغيرها، كما يفعل منظمو الاجتماع السنوي للمنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس. في الجنادرية ودافوس هناك جلسات أجدها تصبّ في صلب اهتماماتي وأتابعها وأسجل ملاحظات عنها للاستعمال في وقت لاحق، ثم هناك جلسات خارج نطاق عملي واهتمامي الشخصي، إلا أن المشارك لا يضيع أي وقت، فبين جلسات الحوار المعلنة هناك الجلسات مع الأصدقاء والمشاركين وتبادل النقاش على هامش الجلسات الرسمية. والصفحة كلها تضيق عن أسماء الأصدقاء الذين سعدت برؤيتهم في الرياض، وأكتفي بصديق العمر الدكتور كلوفيس مقصود لسبب أناني، فهو قال لي بحضور عدد من المشاركين أن أسجل في «الحياة» أنني وحدي صاحب كلمة «الكلفسة»، التي تعني تجهيل المعلوم، بعكس الفلسفة التي تعني تعريف المجهول. ويعود نحت الكلمة الى سنة 1982 وتوقف أبو عمار في مصر بعد الخروج من لبنان، فقد سُئل الدكتور كلوفيس إن كان أبو عمار خالف قرارات مقاطعة مصر بعد اتفاقات كامب ديفيد. وهو رد: لا هو لم يخالف قرارات المقاطعة، إلا أنه من ناحية أخرى لم يلتزم بها. وكتبت أن الرد «كلفَسَة» لا يقدر عليها إلا كلوفيس، وذاعت الكلمة، وأنا أسجل القصة وشاهدي عليها بطلها لحسم الجدل. الجنادرية هذه السنة ضمت حدثاً لم يكن ضمن نشاطات البرنامج، فقد هبّت على الرياض عاصفة رمل وتراب كادت أن تحجب الرؤية ظهراً، إلا أنها لم تعطل شيئاً من عمل المهرجان. وأُعطي المشاركون كمامات من نوع ما استعمل الناس أيام حمى الخنازير. وسرني أن يتنقب الرجال ليدركوا مدى الجهد في ارتداء النساء النقاب والمحافظة عليه في مكانه. قدّرت للمنظمين أن يكونوا استعدوا لكل طارئ، وأن يقدموا الأقنعة بسرعة، واحتفظت بقناعين للاستعمال إذا اضطررتُ يوماً للسطو على فرع البنك في حيّنا لتنويع مصادر دخلي خلال الأزمة المالية المستمرة. ماذا أزيد. طلب كثيرون مني ومن الزميل عرفان نظام الدين أن يلتقطوا صوراً لهم معنا. وليس السبب شعبية مستجدة لي أو لعرفان، غير أننا قضينا وقتاً طويلاً مع أخينا جورج قرداحي فكان الناس يقبلون عليه للتصوير، ثم يروننا معه، ويخجلون من إهمالنا ويدعون أنهم يريدون أن يتصوروا معنا أيضاً. وليس عندي أخيراً سوى كلمة «مبروك» لمهرجان الجنادرية في سنته الخامسة والعشرين، وان شاء الله في الخمسين والمئة، وبمشاركة الأبناء والأحفاد بعدنا. [email protected]