يتطرق إصلاح الرعاية الصحية في الولاياتالمتحدة الى أسسنا الثقافية. فتاريخنا كله مجبول من التشكيك في الحكومة، وليس لفكرة التضامن القيمة التي تتمتع بها في أوروبا. ولا ريب في أن الحال هذه غريبة في بلد أهله متدينون على شاكلة الأميركيين. فالتضامن يحسبه الأميركيون «اشتراكية»، أي بدعة تستدعي التبديع أو الحرم. وقد لا يدافع أنصار الإصلاح عنه بالقول إنه يتيح كفالة واحدة ومتساوية. فهذا ليس غاية مرغوبة أو محبذة. والحق أن معظم الأميركيين مضمونون، وهم راضون عموماً عن ضمانهم الصحي. ولكن الحال هذه لا تنفي انحرافات كثيرة تؤدي الى تبذير باهظ. فاليوم يسدد المضمونون أعباء غير المضمونين، وفي وسع هؤلاء تلقي العلاج في مرفق غير الطوارئ. ويرتب هذا أكلافاً ثقيلة وخفية. والتأمينات الحكومية، ميديكير وميديكيد، تتولى ضمان المتقاعدين والمعوزين. والحل المنطقي يقضي بعموم التأمينات الحكومية من يحتاج إليها. ويندد الجمهوريون، وهم من مؤيدي ميديكير، بإصلاح نظام الرعاية الصحية، ويرون أنه ضرب من الاشتراكية يحاكي النظام الفرنسي الذي لا يستسيغونه. وتظهر استطلاعات الرأي تناقضات في آراء الأميركيين. فمعظمهم يعارض مشروع اصلاح الرعاية الصحية، ولكنهم يؤيدون بعض عناصره. وأبرز إنجازات المشروع توسيع مروحة المستفيدين من التأمين الصحي الحكومي ليشمل 30 مليون أميركي إضافي من غير المضمونين. وفي وسع هؤلاء الاستفادة من رعاية صحية منتظمة ووقائية تحول دون استفحال العوارض والاضطرار الى اللجوء الى خدمات الطوارئ في المستشفيات. وتكلفة الطبابة في الطوارئ والمستشفيات باهظة، وتفوق تكلفة الرعاية الوقائية والمنتظمة. ويسهم اصلاح برنامج الرعاية الصحية في تبسيط شروط الاستفادة من تأمينات ميديكيد الخاصة بالفقراء. فنظام ميديكيد الحالي يقصر المساعدات الصحية الحكومية على الفقراء من أصحاب الاحتياجات الخاصة أو من الأهل. والقانون الجديد يشرع أبواب تأمين ميديكيد على عموم الفقراء. وهذا انعطاف كبير. ومشروع اصلاح الرعاية الصحية يبرز اهمية الإجراءات الوقائية الطبية، ويستوحي برنامج «ايبود» الفرنسي الصحي الذي يرمي الى الحؤول دون انتشار السمنة في أوساط الأطفال. ويستثنى من الرعاية الصحية المهاجرون غير الشرعيين. ومشروع الإصلاح هذا يهمل ضبط النفقات والهدر. فهو مرحلة من مراحل الإصلاح وخطوة على طريقه. ولا يقوّم المشروع المقترح اسس النظام المالية، وهي مسؤولة عن شطر راجح من الهدر. فالطبيب يجني أرباحاً كبيرة من طريق الإكثار من الفحوصات الطبية. وتختلف أسعار الرعاية الصحية من جهاز تأمين حكومي الى آخر. فعلى سبيل المثال، تفاوض الحكومة الفيديرالية المستشفيات على تكلفة طبابة المرضى المسنين المستفيدين من ميديك، في حين أن الولايات الفيديرالية تفاوض المؤسسات الصحية على تحديد تكلفة مرضى ميديكيد. والأسعار التي تحصل عليها الولايات لبرنامج ميديكيد هي الأدنى. ولذا، يرفض عدد من الأطباء معالجة مرضى فقراء يستفيدون من تأمينات ميديكيد. ويتحمل غير المضمونين أعباء مالية كبيرة تعوض الأطباء والمستشفيات من طريقها تكلفة الحسومات المالية التي تمنحها لميديكير وميديكيد. فعلى سبيل المثال، بلغت قيمة فاتورة علاجي الطبي 742 دولاراً، وقُلّصت التكلفة هذه الى 415 دولاراً لأني أستفيد من تأمين شركة «كير فيرست». والرئيس أوباما تجنب اصلاح الجانب هذا من نظام الرعاية الصحية ليتفادى مواجهة مباشرة مع جماعات ضغط القطاع الصحي، على ما حصل مع بيل كلينتون. فلم تقوض خطته مصالح المستشفيات والأطباء والمختبرات. ولكنها أضعفت مصالح شركات التأمين. ومشروع اصلاح الرعاية الصحية هذا هو خطوة على طريق الإصلاح الفعلي. * خبير في الشؤون الصحية، عن «ليبراسيون» الفرنسية، 19/3/2010، إعداد منال نحاس.