تعاني أفغانستان من الفساد الذي يعرقل حتى اليوم مشروع إعادة بناء البلاد، بعد الإطاحة بتنظيم «طالبان» في العام 2001. إذ كشفت تقارير عدة تفاقم المشكلة، وظهر تردد المانحين في تقديم المساعدة بحجة أن «الفساد في الدولة له جذور عميقة». وفي آذار (مارس) الماضي، كشف تقرير للمفتش العام المختص ببرنامج «إعادة إعمار أفغانستان» (سيغار) جون سوبكو، عن إهدار 110 بلايين دولار أميركي خصصت لإعادة إعمار البلاد. وبينما تخطط الولاياتالمتحدة لسحب قواتها بشكل نهائي من أفغانستان نهاية العام 2016، يظهر تقرير سوبكو أن عديد الجنود والشرطة الأفغانية وقدراتها عند انسحاب القوات الأميركية غير معروف بالنسبة إلى الولاياتالمتحدة وحلفائها الأفغان، ما يضع أمن البلاد في خطر، على رغم أن الكونغرس خصص 60.7 بليون دولار خلال العقد الماضي لتجهيز الجيش الأفغاني وتدريبه ودفع رواتبه، وفق ما ذكرته «واشنطتن تايمز». ولا تقتصر اوجه الفساد في أفغانستان على الاختلاس وتبييض الأموال، ففي تشرين الثاني (نوفمبر) من العام الماضي، رفعت محكمة أفغانية أحكام السجن إلى 10 سنوات على مديرين تنفيذيين دينا بالتسبب في انهيار «بنك كابول» بعد اختلاس 900 مليون دولار. وعبر المانحون حينها عن غضبهم من اختفاء الأموال في جيوب المسؤولين، فيما لا تزال البلاد تعاني من الفقر والعنف، إذ منح البنك قروضاً لشركات وهمية، هربت الأموال في عملية معقدة لشراء منازل في بريطانياودبي وسويسرا والولاياتالمتحدة. وحكم أيضاً على رئيس مجلس إدارة البنك السابق شير خان فارنود ومديره التنفيذي السابق خليل الله فيروزي بالسجن عشر سنوات بعد إدانتهما بتبييض الأموال والاختلاس. وأمر قاضي النيابة بالتحقيق في قائمة تضم حوالى 270 شخصاً متورطين في القضية. وتعتبر أفغانستان مصدر 90 في المئة من الإنتاج العالمي ل«الأفيون»، إذ ذكر سوبكو أنه «على رغم إنفاق قسم كبير من المساعدات الأميركية في عملية إبادة المخدرات، إلا أن البلاد لا تزال تنتج أكثر من 13 مليون طن من الأفيون». وفي مقابلة مع وكالة «فرانس برس» العام الماضي، أبدى سبوكو دهشته لعدم مسارعة الولاياتالمتحدة في وضع آليات لمراقبة نفقاتها ومحاربة المخدرات والفساد. وقال إن «مجموع الرشاوى التي دفعها مواطنون أفغان في العام 2012 بلغ 1.25 بليون دولار، أي نصف عائدات الخزينة الأفغانية»، استناداً إلى تقرير لمنظمة أفغانية غير حكومية. وسبب انتشار الفساد خلافاً مع الأممالمتحدة في حزيران (يونيو) الماضي، بشأن الإشراف على صندوق لأجور رجال الشرطة، ما أشار إلى أن مساعدات المانحين ستتوقف إلى حين إقامة أنظمة خالية من الفساد. ويعتقد كثير من الديبلوماسيين أن الوزارات فاسدة للغاية، إذ طالبوا بفرض شروط صارمة لنقل الإشراف على الصندوق إلى الحكومة. وتراجع الاقتصاد الأفغاني منذ بدأت القوات الدولية وجمعيات خيرية انسحابها العام الماضي، ما أدى الى ظهور تدفّق هائل لأموال مساعدات ونشاطات عسكرية. وتوقّع البنك الدولي نموّ الناتج المحلي الإجمالي 2.5 في المئة هذا العام، بعدما بلغ 9 في المئة بين العامين 2003 و 2012. وفي أيلول (سبتمبر) الماضي، قال الرئيس الأفغاني أشرف عبدالغني في افتتاح مؤتمر مانحين لإعادة إعمار بلاده أنه حقّق تقدماً في شأن تحديات بينها الأمن ومكافحة الفساد، وضمّ المؤتمر مندوبين عن المجتمع الدولي منهم منظمات غير حكومية تدعم الوضعين الاقتصادي والأمني والاجتماعي. وقال غني أن حكومته شرعت في حملة على الفساد وثقافة الإفلات من العقاب، وأنها أصلحت الجمارك وزادت عائدات تحصيل الإيرادات، كما عزّزت بناء قدرات أفغانستان. يذكر أنه في تموز (يوليو) 2008، شكل الرئيس الأفغاني السابق حميد كارزاي جهاز «مكافحة الفساد»، لكنه لم يقم بدوره بالشكل المطلوب، إذ تفاقمت مشكلة الفساد في البلاد بدل أن تقل. وفي العام 2009، أورد تقرير ل«هيئة الرقابة الأميركية في مشروع إعمار أفغانستان» أن «مؤسسة مكافحة الفساد الأفغانية ينقصها الأفراد والاستقلالية على المستوى التنظيمي والمالي كي تصبح جهازاً فاعلاً للمراقبة».