تضامن العالم الحر مع فرنسا ضد الارهاب وتوعّد الرئيس فرنسوا هولاند ب «حرب بلا رحمة» على «الحرب في قلب باريس» التي شنّها تنظيم «داعش» ليل الجمعة، حاصداً 128 قتيلاً على الأقل بينهم بريطانيون وتونسيان وبلجيكيان وبرتغالي وحوالى 300 جريح، تواجدوا في ستة مواقع هي مسرح «باتاكلان» و«ستاد دو فرانس» الرياضي ومطاعم ومقاهٍ مكتظة شرق العاصمة وأجرى الملك سلمان ليل أمس، اتصالاً هاتفياً بالرئيس هولاند، قدم فيه تعازيه ومواساته له في ضحايا الهجمات الإرهابية التي حدثت في مدينة باريس. واتفق خادم الحرمين والرئيس الفرنسي على العمل لمزيد من التنسيق والتعاون لمكافحة آفة الإرهاب بجميع أشكاله وصوره التي تستهدف الأمن والاستقرار في أرجاء المعمورة كافة. كما شدد خادم الحرمين في برقية مواساة الى الرئيس الفرنسي على ضرورة «تكاتف الجهود الدولية لمحاربة هذه الآفة الخطيرة التي لا تقرها جميع الأديان السماوية والأعراف والمواثيق الدولية، وتخليص المجتمع الدولي من شرورها «. وبدت باريس «تحت الحصار» بعدما تم نشر 1500 جندي إضافي في باريس ينضمون إلى 30 ألف رجل أمن يتولون حماية 5 آلاف موقع حساس في إطار خطة «فيجيبيرات» وهدد «داعش» الذي تبنّى الاعتداءات، في بيان أن الفرنسيين على «رأس لائحة أهدافه»، وقال «ما دمتم تقصفون لن تعرفوا الأمان، وستخافون من مجرّد الخروج إلى الأسواق». ورأى محللون أن اعتداءات باريس هي الأسوأ في أوروبا منذ تفجيرات قطار مدريد عام 2004 التي خلّفت 191 قتيلاً، و»تظهر امتلاك التنظيم شبكة متطورة في القارة الأوروبية، وليس مجرّد متعاطفين ينفّذون عمليات فردية»، باعتبار أن المهاجمين الثمانية على الأقل الذين حمل 7 منهم أحزمة ناسفة نجحوا في تفجيرها، اخترقوا إجراءات حال التأهّب القصوى المطبّقة في فرنسا منذ الهجوم على صحيفة «شارلي إيبدو» الساخرة ومتجر «كوشير» اليهودي في كانون الثاني (يناير) الماضي. وعززت السلطات هذه الإجراءات أخيراً تحضيراً لاستضافة باريس المؤتمر العالمي للمناخ هذا الشهر. وأكد هولاند أن «داعش» نفّذ الاعتداءات ب «مساعدة داخلية»، قبل أن يتعرّف المحققون إلى جثة فرنسي «له صلات بمتشددين إسلاميين» وفق أجهزة الاستخبارات، مرجّحة أن يكون أحد مهاجمي مسرح «باتاكلان»، حيث سقط العدد الأكبر من القتلى (87 على الأقل). تزامن ذلك مع اعتقال الشرطة البريطانية فرنسياً في ال41 من العمر من منطقة فاندوم وسط باريس، وفي حوزته مسدساً في مطار غاتويك الذي كان أخلي لفترة إثر الاشتباه برزمة. وعثرت الشرطة في موقع المسرح على جوازي سفر مصري وسوري قرب جثتي مهاجمين، قبل أن يعلن وزير حماية المواطنين اليوناني نيكوس توسكاس، أن حامل الجواز السوري عبر جزيرة ليروس اليونانية في 3 تشرين الأول (أكتوبر) الماضي بعد تسجيله طبقاً للقوانين الأوروبية». ووصف المحققون الفرنسيون انتحاريي اعتداءات باريس بأنهم «متمرّسون ومدرّبون جيداً». كما وصفهم شهود بأنهم «شبان واثقون من أنفسهم». وغداة الليلة الدامية استفاقت باريس على هول وذعر، إثر إعلان الرئيس هولاند حال الطوارئ للمرة الأولى منذ الحرب العالمية الثانية. وأوضح وزير الداخلية برنار كازنوف أن القرار يفرض حماية خاصة على المنشآت العامة ومنع التظاهرات والتجمعات لمدة أسبوع، ويسمح للمحافظين بإعلان حظر تجول في مناطقهم إذا بدا ذلك ضرورياً لضبط الأمن. وستقفل صالات العرض والمقاهي والمتاحف موقتاً، مع نشر 1500 جندي إضافي في باريس ينضمون إلى 30 ألف رجل أمن يتولون حماية 5 آلاف موقع حساس في إطار خطة «فيجيبيرات». وعلّق النشاط الرياضي في العاصمة الفرنسية خلال نهاية الأسبوع. وعززت أيضاً إجراءات الأمن في محطات القطار والمطارات والشوارع والأماكن العامة. كما أعلن كازنوف أن أجهزة مكافحة الهجمات الجرثومية أو تلك التي تُستخدم فيها مواد مشعّة معبأة بالكامل. وكان هولاند تفقد ليلاً برفقة رئيس الوزراء مانويل فالس وكازنوف ووزير الدفاع جان إيف لو دريان مواقع الاعتداءات في الدائرتين العاشرة والحادية عشرة بباريس، بالتزامن مع نقل جثث ضحايا مسرح «باتاكلان». وحضر الرئيس مباراة ودية لكرة قدم بين المنتخبين الفرنسي والألماني في ستاد دو فرانس برفقة وزير الخارجية الألماني فالتر شتاينماير لدى سماع دوي انفجارين خارج الاستاد، فأخرجه جهاز أمنه الخاص من المكان. وأعقب الانفجارين، اللذين نجما عن عملية انتحارية هي الأولى من نوعها في فرنسا، إطلاق نار في مسرح «باتاكلان» وفي ستة مواقع مختلفة شمال العاصمة وشرقها. وتبيّن أن مهاجمي المسرح احتجزوا رهائن، ما اضطر القوات الخاصة إلى اقتحام المكان حيث بدا المشهد مروعاً لجثث وجرحى تعرّضوا لإطلاق نار عشوائي من المهاجمين وتفجير قنابل. ولا يزال هناك تضارب حول عدد منفّذي الاعتداءات. وأكد زعيم المعارضة نيكولا ساركوزي ضرورة تعديل السياستين الأمنية والخارجية للبلاد، في حين شدد رئيس الوزراء السابق ألان جوبيه على أن فرنسا يجب أن تبقى موحّدة في وجه «هذا التحدّي القاتل». وتلقت فرنسا أمس سيلاً من إعلانات التضامن معها في مصابها. وفيما استنكرت دول عربية وغربية «مذبحة باريس» بأشد العبارات، ودعت إلى تعزيز التنسيق الدولي لمكافحة الإرهابيين، سارعت الولاياتالمتحدة ودول أوروبية عدة إلى تشديد إجراءات الأمن خشية وقوع هجمات مماثلة على أراضيها، وتم اللجوء إلى نشر وحدات من الجيش في بعض المدن الأوروبية الكبرى. ولوحظ حديث قادة أوروبيين عن أن الغرب بات في «حال حرب ضد داعش»، مع التشديد على أن هذا التنظيم لا يمثّل الإسلام. وأكد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، أن الأحداث الإرهابية التي شهدتها العاصمة الفرنسية باريس ليل أول من أمس «مجزرة لا يقرها دين ولا عقل، والإسلام بريء منها». وقال الملك سلمان في تغريدة ليل أمس، عبر حسابه في «تويتر»: «مجزرة باريس الشنعاء لا يقرها دين ولا عقل. الإسلام بريء من هذه التصرفات. أعزي الشعب الفرنسي، وندعو العالم مجدداً لتكثيف الجهود في محاربة الإرهاب». كما شددت المملكة العربية السعودية على ضرورة تكاتف المجتمع الدولي ومضاعفته جهوده لاجتثاث «الآفة الخطيرة والهدامة التي تستهدف الأمن والاستقرار في أرجاء المعمورة كافة»، داعية إلى «تطوير آليات فعالة للعمل المشترك على المستوى الدولي لمحاربة كل من يسعى إلى الهدم والتخريب والإفساد في الأرض تحت أية ذريعة كانت»، وقالت الأمانة العامة لهيئة كبار العلماء إن هذه الأعمال الإرهابية لا يقرّها الإسلام وتتنافى وقيمه التي جاءت رحمة للعالمين. وأكدت، في بيانها أمس، أن هذه الأعمال الإرهابية وغيرها مما وقع أخيراً، هي امتداد للإرهاب الذي يمارسه النظام السوري المجرم وأعوانه ضد الشعب السوري الأعزل. وشدد الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي على أنه «لن يتم الاستسلام أو الرضوخ للأفكار الهدامة والأيديولوجيات المتطرفة»، في حين سارع الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي إلى زيارة باريس والتقى الرئيس هولاند ناقلاً إدانته للهجمات الإرهابية التي استهدفت «مدينة الأنوار»، كما قال في وصفه للعاصمة الفرنسية. وقال الرئيس باراك أوباما إن ما حصل في باريس «اعتداء ضد الإنسانية جمعاء»، بينما قال رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كامرون إن «هدف الإرهابيين واضح: التفريق بيننا وتدمير طريقة حياتنا. ولذلك فإن علينا اليوم أكثر من أي وقت مضى أن نقف موحدين ونواصل عيش طريقة الحياة التي نحبها». أما المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل فقالت إنها «تبكي مع الفرنسيين» في مصابهم، في حين شدد رئيس وزراء هولندا مارك روته على «ان قيمنا وحكم القانون لدينا أقوى من تطرفهم... داعش هو عدونا. نحن في حالة حرب مع داعش».