على رغم اتساع رقعة محافظة بقيق، التي تقدر بنحو 30 ألف متر مربع، يسكنها نحو 150 ألف نسمة، يتوزعون على المدينة و45 قرية وهجرة تابعة لها، إلا أن شبانها يتوقون إلى مكان يمارسون فيه هواياتهم الرياضية والترفيهية على غرار أقرانهم في الأحساء التي تقع جنوب محافظتهم، أو جيرانهم شمالاً، سكان حاضرة الدمام. بعد إلغاء نادي «الإشعاع»، الذي كان موجوداً في المحافظة، بيد أنه اختفى لأسباب مجهولة. ويفتقد شبان بقيق إلى نوادٍ متكاملة، تحوي ملاعب لكرة القدم، والسلة، والطائرة، ومسابح، وغيرها من الألعاب الرياضية. ولكن الشبان هنا محرمون من كل ذلك، وسط سؤال يقلقهم في عطلة كل نهاية أسبوع: أين نذهب؟ أين نمارس هواياتنا؟ فلا خيارات لديهم لسد أوقات فراغهم. وينظرون إلى ملاعب «أرامكو السعودية» من خلف الأسوار، ولكنهم محرمون من الدخول إليها، فهي تقتصر على موظفي الشركة وعوائلهم. ولا يتمكن هؤلاء الشبان من ممارسة الرياضة في حاراتهم، فالعائلات هناك يقفون لهم بالمرصاد، فيمنعونهم من لعب الكرة، ويطردونهم من المكان، سواءً في الحدائق العامة، أو داخل الأحياء السكنية. ويرفع شبان بقيق أصواتهم، مناشدين مسؤولي الرئاسة العامة لرعاية الشباب، بأن ينظروا إلى معاناتهم مع «الفراغ قاتل»، ومعالجته، قبل أن تستفحل تداعياته، وأبرزها الانتشار في الشوارع ومراكز الأسواق والساحات، لتمضية الوقت في لعب الورق، وإزعاج المارة، واختلاق المشاكل، وربما الجرائم الصغيرة أو الكبيرة. ويقول الشاب محمد ناصر: «أعشق كرة القدم، ولكن لا يوجد في بقيق نادياً أمارس فيه هوايتي. وقمت وزملائي بتكوين فريقين متضادين، للتباري في الحديقة العامة، على رغم أننا نعلم أن هذا الأمر يزعج المتنزهين، وبعضهم يعبر عن هذا الانزعاج، بالكلام الهادئ أو الغاضب، وربما يصل الأمر إلى السباب والشتائم. ولكن أين نلعب؟ فلا يوجد مكان آخر، فالمدينة تفتقد إلى ملاعب كرة قدم وسلة وطائرة، وغرف مخصصة لبناء الأجسام وغيرها من الأماكن المماثلة»، مضيفاً «نحلم بإنشاء نادٍ متكامل، نمارس فيه هوايتنا الرياضية. ونمثل بقيق حين نتبارى مع فرق من مدن أخرى». وخاض الشاب فهد البيشي، تجربة أخرى، إذ قام وزملاؤه بجمع مبلغ من المال، لإنشاء ملعب لكرة القدم، وذلك بشراء أعمدة خشبية وشبك. وقاموا بتنظيف مكان في الحديقة العامة. ويقول: «شارك الكثير من الشبان في هذه المبادرة، ولكننا فوجئنا في اليوم التالي، بالبلدية تنزع الأعمدة. ولكننا لم نستسلم، ووضعناها مرة ثانية وثالثة ورابعة وحتى العاشرة. وفي كل مرة تقوم البلدية بإزالتها، حتى جاءت دوريات أمنية وأخرجونا من المكان، ومنعونا من اللعب فيه. وانتقلنا إلى حديقة أخرى، وطردنا منها أيضاً». ولم يتوقف فهد، عند هذا، إذ شارك وأصدقاؤه في دوري رياضي، أقيم في إسكان الخبر. ويذكر «كنا نقطع ذهاباً وإياباً، 140 كيلومتراً، في الطريق من بقيق حتى الخبر، وبالعكس، في حافلة خاصة، أو في سيارة أحد زملائي. وكنا نكرر ذلك ثلاث مرات في الأسبوع. ولكننا لم نستمر، لخوفنا من الحوادث المرورية. كما تعبنا من الطريق، ومشاكله». وترفض ذاكرة الشابين إبراهيم السبيعي وعبدالله الرشيدي، أن تمحو صورة زميلهما المُتوفى في حادثة دهس العام الماضي، بسبب حبه للرياضة. ويقول إبراهيم: «كان موقفًا أليماً، أبكى الشبان، إذ كان عمر زميلنا 13 سنة، وكان بلعب كرة القدم في حديقة المثلث، وهو دائماً يشارك معنا في اللعب، لحبه لتلك الهواية. وكان متحمس دائماً. وقد خرجت الكرة من الحديقة، التي كانت محاطة بالشارع العام المؤدي إلى «أرامكو السعودية»، وطريق بقيق – الدمام، وأيضاً المؤدي إلى عدد من الأحياء السكنية في المدينة. وركض صديقنا خلف الكرة، لإحضارها. ولكنه لم ينتبه إلى حافلة تابعة ل «أرامكو». ولم يتمكن قائدها من التوقف، فدهس صديقنا، ليفارق الحياة وهو ملطخ بالدماء». فيما يشير منصور المحسن، إلى أن بعض شبان بقيق يقومون، وبخاصة في أيام الأربعاء والخميس والجمعة من كل أسبوع، بالتنقل عبر سياراتهم الخاصة، بين المحافظات المجاورة، للتنزه وممارسة الرياضة. ولكنه يقول: «بعضهم تعرض بسبب ذلك، إلى حوادث مرورية، خلفت مصابين ومعوقين، ووفيات أيضاً». أما عبد الرحمن الأكلبي، ورفاقه، فمارسوا هوايتهم في ملعب خارج الأحياء السكنية، وبعيدًا عن الحدائق العامة، ولكنه يقول: «كان مليئاً بالزجاج والحجر. وقد تعرض الكثير منا إلى الإصابات، من رضوض وجروح وكسور، بسبب أرضية الملعب غير الصالح للعب. وتركناه بسبب ذلك، وانتقلنا إلى الحدائق العامة، وهذا ما يضايق الكثير من روادها». ويمارس جابر العجمي، اللعب في الحديقة ب «خجل واستحياء شديدين». أمام المتنزهين. ويضيف «هناك ملعب أحمر، اخترناه كبديل عن الحدائق، وهو قريب من مقر المحافظة بجوار البلدية، ومقابل المستشفى. ولعبنا فيه عصراً. ولكنهم منعونا لاحقاً، لأنه مُخصص للدوائر الحكومية». ويعتقد الشابان حسن وعلي الغزواني، أن إنشاء ناد لشبان بقيق والهجر القريبة، «أصبح أمراً ضرورياً، كي يمارسوا فيه هواياتهم المختلفة، بدل أن يضيعوا أوقاتهم فيما لا يفيد»، مضيفين، أن «بعض الشباب يتجمعون في المجالس، للعب «البلوت» وشرب الشيشة والتدخين، وربما يصل الأمر إلى المخدرات»، مستدركين أن «وجود النادي المتكامل الخدمات يحمي الشبان من الممارسات الخاطئة والمنحرفة. بل إنه سيساهم في إبراز المواهب».