يبدو أن عدم توافر طبعات كافية من الكتب المدرسية الحديثة الصدور تحوّلت إلى مشكلة سنوية للعائلات العراقية، التي تضطر إلى تكبّد تكاليف استنساخ الكتب الجديدة لحين وصول نسخ إضافية منها إلى المدرسة. تقوم زينب جواد (18 سنة) بجولة مكوكية أسبوعياً لجمع الكتب التي تنقصها واستنساخ بعض صفحاتها، لتتمكن من اللحاق بزميلاتها اللواتي يمتلكن طبعات جديدة من كتب الرياضيات والإسلامية للصف السادس العلمي، فيما تجري شقيقتها إسراء جولة مماثلة لاستنساخ كتب الأسرية والمطالعة والنصوص الأدبية التي وصلت نسخ معدودة منها إلى المدرسة هي أقل بكثير من عدد الطالبات في تلك المراحل. تستنسخ الشقيقتان أجزاء من الكتب المذكورة أسبوعياً للتواصل مع زميلاتهما ومدرّسات المواد أملاً في الحصول على نسخ أصلية من المدرسة قبل نهاية العام الحالي، بحسب الوعد الذي قطعته لهما مديرة المكتبة. تقول زينب «لا خيار آخر متاح أمامنا، يجب أن نعتمد على الاستنساخ لحين وصول الكتب من مديرية التربية. والمشكلة أن الكتب المذكورة هي طبعات حديثة صدرت في بداية العام الدراسي الحالي، ولا يمكن إيجادها في السوق السوداء إلا بعد مرور شهور عدة». ويرافق جواد سلام ابنته في جولتها الأسبوعية ويستنسخ أحياناً النواقص بنفسه، نظراً لانشغالها بالدراسة وسعيها للحصول على معدّل جيّد يؤهلها لدخول الجامعة. ويقول: «تبدّل وزارة التربية كتاباً أو اثنين سنوياً ضمن خطة تغيير المناهج، لكن غالباً ما يصاحب هذه الخطوة نقص في الطبعات الجديدة ما يضطر الطلاب إلى استعارة الكتب من زملائهم الذين حصلوا على تلك الطبعة، ويؤرق الأهالي على مستقبل أبنائهم». بدأ تغيير المناهج في العراق قبل سنوات، حينما قررت وزارة التربية تعديلها بما يتلاءم مع مرحلة ما بعد نظام الرئيس صدام حسين. فشُكلت لجنة خاصة أضافت مناهج جديدة وحذفت مواد وفصولاً من الكتب في شكل مبدئي، ثم أقدمت على تغيير المناهج كلها واستحداث طبعات جديدة لها. وتم التغيير تدريجاً، حيث أبدلت اللجنة كتاباً أو اثنين سنوياً من كل مرحلة. لكن المناهج الجديدة غالباً ما ترد إلى الطلاب في شكل متأخر ما يعيق أكمال تدريسها في العام الأول لصدورها، أو لا يتلاءم عدد الكتب مع عدد الطلاب، فيحدث النقص ويكثر الاستنساخ، ما يجعل عملية التغيير عبئاً جديداً على كاهل الأسر، لا سيما حين تضطر عائلات إلى شراء الكتب بعد تسرّبها إلى السوق السوداء. ويتراوح سعر الكتاب الواحد من الطبعات التي صدرت هذا العام بين 50 و100 ألف دينار أي ما يعادل 40 - 80 دولاراً. وإذا ما قيس هذا الأمر على متوسط راتب المعلمين أو المدرّسين في العراق، فهو يعادل بين 15 و30 في المئة من الراتب الشهري لتلك الشريحة. تقول إيمان إسماعيل، مدرّسة اللغة عربية في إحدى مدارس بغداد الابتدائية، إنها اشترت كتاب التفسير لابنتها لمنهاج الصف السادس العلمي ب 120 ألف دينار، علماً أن راتبها يبلغ 850 ألفاً. ولا تقتصر مشكلة نقص المناهج الجديدة على العاصمة أو أي مدينة عراقية أخرى، بل هي مشكلة عامة تتجدد سنوياً وتثقل كاهل الأسر المتوسطة والمحدودة الدخل خصوصاً التي لديها أكثر من طالب، ما يعني إن توفير حاجاتهم من الكتب سيشكّل عبئاً كبيراً لا طاقة لها على تحمّله.