أعلن المصرف المركزي الروسي أمس أن روسيا لن تفرض قيوداً على حركة رؤوس الأموال ما يقلص المخاوف من استحداث قيود للحد من نزوح رأس المال الذي تسارع منذ سيطرت قوات روسية على منطقة القرم الأوكرانية. ومن المتوقع أن يؤدي تمسك الرئيس فلاديمير بوتين بما يقول إنه حق روسيا في التدخل في أوكرانيا وضم القرم إلى نزوح تدفقات صافية بين 50 و70 بليون دولار في الربع الأول من العام مقارنة ب 63 بليوناً في العام الماضي بأكمله. وأصبح تقييد التدفقات النقدية أكثر قبولاً في أعقاب الأزمة المالية لعامي 2008 و2009 كأداة ضرورية أحياناً لإدارة الاستقرار المالي بعدما كان ينظر إليه كقيد مضر بالأسواق المفتوحة. لكن المصرف المركزي الروسي أعلن أن سياسته النقدية الحالية قوية بما يكفي لتحقيق الاستقرار المالي وأن فرض قيود رأسمالية غير مطروح. وأبلغ المصرف وكالة «رويترز» في بيان بالبريد الإلكتروني: «لا يدرس بنك روسيا في الوقت الحالي فرض إجراءات لتقييد حركة رأس المال. فالإجراءات المتخذة من بنك روسيا في إطار سياسة سعر الصرف تساعد في احتواء التذبذبات الزائدة في السعر ومن ثم تحول دون نشوء مخاطر قد تهدد الاستقرار المالي». وكان البنك المركزي الذي تدرج من قبل في السماح للروبل بمزيد من حرية الحركة، اضطر إلى وقف العملية في وقت سابق هذا الشهر وبدأ يدافع عن العملة التي فقدت أكثر من عُشر قيمتها هذا العام. ومن شأن تقييد التدفقات النقدية أن يقلص طلب الروس على العملة الصعبة ولكنه سيرفع تكاليف الاقتراض للدولة والشركات على حد سواء. واقترضت وزارة المال الروسية البلايين من الدولارات على مدى الأعوام القليلة الماضية. وتتضمن خطط العام الحالي إصدار سندات دولية بسبعة بلايين دولار. وقال أليكسي مويسيف، نائب وزير المال المسؤول عن الأسواق، لوكالة «رويترز»: «في حالة طرح فكرة تقييد حركة رؤوس الأموال للنقاش فإن وزارة المالية سترفضها». وفي ما يخص الروبل، أفاد البنك المركزي الروسي أمس بأنه أنفق 4.4 بليون دولار لدعم العملة الوطنية الجمعة. وحين يجري تداول الروبل عند الحد الأعلى لنطاق التداول أمام سلة للدولار واليورو يتدخل البنك المركزي تدخلاً غير محدود ليبقي الروبل داخل النطاق. وتراوح النطاق بين 36.10 و43.10 روبل للدولار الجمعة و36.15 و43.15 أول من أمس. كذلك لفتت مسؤولة في تصريحات إلى أن روسيا قد تؤجل صفقات تخصيص كبيرة إلى النصف الثاني من العام ما يشير إلى الأضرار التي قد تلحق بالأسواق والاقتصاد الروسي جراء موقف موسكو من أوكرانيا. وتعاني سوق الأسهم الروسية جراء تباطؤ اقتصادي وتراجعت تراجعاً حاداً بفعل القلق من فرض عقوبات صارمة على موسكو بسبب دعمها لاستفتاء على انفصال منطقة القرم عن أوكرانيا. وقالت مديرة مؤسسة إدارة الأصول الحكومية أولغا درغونوفا إن الحكومة قد تؤجل صفقات تخصيص كبيرة متوقعة في الربع الثاني إذا أثرت الأزمة الأوكرانية تأثيراً سلبياً في الاقتصاد الروسي. ونقلت عنها وكالة «انترفاكس» للأنباء قولها إن «من الواضح أن هذا قد يحدث... قد نقوم بصفقات تخصيص في الربع الثالث وفي الربع الرابع». وأكدت أن شركة «اروفلوت» للطيران ومجموعة «سوفكومفلوت» للشحن البحري و «روسنفت» للنفط مرشحة للتخصيص هذا العام. ومن بين الشركات على قائمة التخصيص أيضاً مجموعة «روستليكوم» للاتصالات. وكان مسؤول روسي أقر للمرة الأولى أول من أمس بأن الاقتصاد في أزمة على رغم محاولات سابقة من المسؤولين للتلميح بإمكانية تجاوز أثر العقوبات حتى مع تباطؤ النمو. ويبدى المحللون الحذر على رغم انتعاش الأسهم الروسية والروبل في الفترة الأخيرة لتوقعات بأن العقوبات الغربية ستستهدف الأفراد فحسب ولن تتضمن إجراءات تجارية أو مالية. وكتب محللو «كريدي سويس» في مذكرة بحثية «توقعات الاستثمار في المدى الطويل إلى المتوسط للأسهم الروسية ما زالت غير مغرية نسبياً من وجهة نظرنا»، مستشهدين بتوقع سلبي لنمو أرباح السوق الروسية وتوقعات ضعيفة للناتج المحلي الإجمالي ونمو الاستثمار وفشل روسيا في إحداث تحسن ملموس بمناخ الاستثمار. ويأمل كثيرون في روسيا ألا يعود على بلدهم من ضم القرم إلا النفع وأن يتيح فرصة للاحتفال «بالعودة إلى حضن الوطن» بالنسبة إلى ما يزيد على المليون من «الأشقاء» الروس في المنطقة بعد أن نقلت تبعيتها إلى أوكرانيا قبل 60 عاماً. وتروج روسيا لفكرة أن تحل القرم محل مصر كموقع جاذب للسياح الروس واحتياطاتها البحرية من النفط والغاز ستعزز وضع روسيا على رأس الدول المنتجة للطاقة وستنعش منتجعاتها الصحية القوى العاملة في القطاع العام. لكن الفرح الذي شعروا به عندما وافقت غالبية كبيرة من سكان القرم على الانضمام إلى روسيا في استفتاء الأحد قد يذهب جانب من بريقه عندما يحين وقت القرارات المالية الصعبة اللازمة لدعم اقتصاد المنطقة الذي يعتمد على أوكرانيا في توفير الطاقة والماء والغذاء. وبعد أن قرر برلمان القرم في تصويت أجري أول من أمس تأميم شركة الطاقة الرئيسية في المنطقة «كورنومورنفطوجاز» قد تكون روسيا في مركز تفاوضي أقوى يمكنها من انتزاع حقوق التنقيب عن الطاقة في البحر وفي الرصيف القاري في البحر الأسود. وتداعب نتيجة استفتاء القرم المشاعر الروسية بخصوص شبه الجزيرة لكن لا أحد تقريباً يفكر في المبالغ التي قد تلزم لوضع المنطقة التي تعاني من تدهور حالة فنادقها وتدني الخدمات وتضخم الاقتصاد غير الرسمي على قدميها.