وهْم يذهب إلى النوم بكامل أناقته، معطراً بأفخر العطور، يملأ عينيه وروحه بنظرة طويلة إلى مرآته، متغزلاً بجبين بهي عال. يدخل في النوم مضمخاً بذاكرة تحجرتْ في انتظار امرأة تسرّب عطرها إلى المجهول. غيوم بعد العصر، امتد حبل الغسيل مربوطاً بين غصن شجرة وعمود مدخل البيت، امتلأ الحبل بالملابس، ظهرت البيضاء أولاً، لحقت بها الملونة: منشفة بلون ليلكي، غطاء وسادة بلون عاجي، شرشفٌ يزهو بطاووس يوشك أن يطير، قمصان زرقاء وبيضاء، مهرجان ألوان هو الفناء، على الأرض، أطراف الملابس عيون لا تكف عن العَبرات، ظلت تسكب، ولا من يواسي. والنهار السادس يوشك على الرحيل، لم يأت أحد من الأقارب في هذا العيد، بدت الألوان الزاهية على الحبل بديلاً عن الحلوى والتهاني الغائبة عن رجل وحيد. غام الجو، بلل على بلل أمر يصعب احتماله، أعاد الملابس بدأب وحنوّ إلى الداخل، الروح تغتسل بما سيأتي واليدان تجمعان الألوان، فيما الوحيد ينتظر شمساً صريحة تنسيه غيوم أيامه. عيد الأضحى 1436 تسامح يمشي غير آبه بما تقذفه السيارات عليه من مياه قذرة، فقط ينظر إلى السماء، ويواصل سيره، ينظر مبتسماً، وهي تمطر. تيتانيك إلى جيهان توقفت يدُ الأب عن تقليب القنوات.. ثبّت الجميع أنظارهم نحو الشاشة؛ الصغار تعالت ضحكاتهم، ثم انفجرت عندما بدأت أجزاء السفينة تتساقط، دخلوا في ضحك هستيري والصحون تنزلق بالعشرات وتتكسر بدويّ عالٍ. لم تمتد يدُه إلى يدها كما في مرات المشاهدة السابقة، بينهما طاولة مكسورة لا تصلح أن تمسك كوباً واحداً. عندما سالت الدماء، هدأت ضحكات الصغار شيئاً فشيئاً، سرى وجومٌ صامت.. توقفت أسئلةُ الصغيرتين. أسى مجْدول بماض غامض تسلل من الأم والأب إلى البنت الكبرى ثم إلى الصغيرتين، اتفاق سريّ على الصمت يسري دون إعلان، فيما حزن مكبوت يبحث عن أطواق نجاة؛ الغرفة، حيث تجلس العائلة استحالت سفينةً تهوي وتهوي إلى قاع بلا قرار، الوالدان صامتان دون أن يمسك أحدهما بيد الآخر؛ تَفرُغُ اللحظةُ من الكلمات، وترحل المَشاهدُ الأخيرة بعيداً عن البحر.. دموع خفيةٌ لم يرها أحد.. فراغ كبير يملؤه صوت سيلين ديون. * قاص سعودي.