كفرنبل، المدينة الصغيرة في الشمال السوري التي يبلغ عدد سكانها 30 ألف نسمة والتي تقع على سفح جبل الزاوية الجنوبي، هادئة معروفة بثقافة أبنائها، تعيش ما تعيشه غالبية المدن السورية من حرب وقصف ودمار. لكن ما ميزها وأبرزها وجعل اسمها علماً من أعلام الثورة السورية، «لافتات كفرنبل المحتلة» التي تكتبها وترسمها مجموعة من شبانها، والتي وصلت عبر مواقع التواصل الاجتماعي إلى كل العالم وأصبحت مرجعاً لأحداث الثورة، كما أنها تعتبر من الصور الجميلة النادرة التي ما زالت تصل من سورية. اللافتات هي وسيلة التعبير التي اختارها أبناء كفرنبل، لعدم وجود وكالات أنباء أو صحافة حرة تغطي التظاهرات وتعرف مطالب المتظاهرين، فلجأوا إلى وسيلة من وسائل المقاومة السلمية وكتبوا مطالبهم ورسائلهم على اللافتات، وهذه الفكرة بدأت منذ التظاهرة الثانية في كفرنبل بتاريخ 15 نيسان (أبريل) 2011. أول لافتة رفعت كانت رداً على قناة «الدنيا» التابعة للنظام السوري والتي استخدمت فيديو لأول تظاهرة في مدينة كفرنبل. وعرضوه في برنامج «التضليل الإعلامي» مرتين، في الأولى ادعوا أن هذه التظاهرة ليست في كفرنبل بل في إحدى قرى مصر، وفي الثانية استخدمت «الدنيا» مقطع الفيديو نفسه وقالت إن التظاهرة تجري في درعا. لذلك جاءت الفكرة في التظاهرة الثانية، أن يُكتب اسم كفرنبل وتاريخ التظاهرة على «كرتونة» لتأكيد مكان التظاهرة وزمانها ومنع التضليل. يعرّف رائد فارس، مدير المكتب الإعلامي في كفرنبل، عن المجموعة قائلاً: «نحن ثوار منذ انطلاقة الثورة، مجموعة شبان نعمل معاً منذ أول الثورة حتى هذه اللحظة». عددهم ستة أشخاص، رائد الفارس مسؤول عن الأفكار التي تنفذ، علي الأمين السويد يترجم للغة الإنكليزية، أحمد جلال يرسم الكاريكاتور ويشارك في بعض الأفكار، ياسر الموسى خطاط اللغتين العربية والإنكليزية، خالد العيسى وحمود جنيد مسؤولان عن العمل اللوجستي. كما شاركت شابة من كفرنبل برسم الكاريكاتور عام 2012. واستخدمت المجموعة لغات عدة في كتابة اللافتات لتوصل أفكارها ومطالبها إلى كل العالم، فكتبوا مثلاً بالإنكليزية، الفرنسية، الألمانية والروسية. جميع أفراد المجموعة ما زالوا يعيشون في كفرنبل، ويؤكد فارس أنهم لم يتوقعوا أبداً أن يصل اسم مدينتهم إلى ما وصل إليه، ولم يكن هذا هدفهم على الإطلاق. هدفهم كان ولا يزال أن يسقطوا نظام الأسد وأن يبنوا الوطن الذي يحلمون به. ويقول فارس: «لا شيء في الدنيا يقبل التعميم، فاللافتات بالتأكيد لا تعبر عن رأي المدينة كلها، وبالطبع هناك آراء مختلفة كما في كل المدن السورية». وبرغم الوسيلة السلمية التي اختارتها هذه المجموعة، فإنها لم تسلم من محاولات القمع البعثية، فقد تعرض أفرادها للتهديد ومحاولات الاغتيال والخطف. ويقول فارس: «كانوا يلاحقوننا في الخيم التي نبنيها في البساتين ونسميها مكتباً إعلامياً، وقد علمنا مرتين أنهم قادمون، فتركنا كل شيء وهربنا مع عدتنا البسيطة، وهم تكفلوا بحرق الخيم بما فيها». شبان كفرنبل يعلمون أن اللافتات أو التظاهرات صعب أن تغيّر سياسة الحكومات، لكنها قد تؤثر في الرأي الشعبي الذي بدوره يمكن أن يضغط على الحكومات لتتخذ القرار، وهم في الوقت نفسه يؤمنون بأن من لم تؤثر فيه صورة مجزرة أو طفل شهيد، لن تؤثر فيه لا لافتة ولا حتى تظاهرة. ويقول رائد فارس أنه لا يندم على الإطلاق على أي لافتة رفعت في كفرنبل، وأن هناك لافتات عدة يحبها، لكن أهم واحدة بالنسبة إليه هي اللافتة التي رفعت بتاريخ 14 تشرين الأول (أكتوبر) 2011 والتي تقول «يسقط النظام والمعارضة. تسقط الأمة العربية والإسلامية. يسقط مجلس الأمن. يسقط العالم. يسقط كل شيء».