لا يخفي الكرملين انزعاجه من توسع استخدام شبكة الانترنت في جمهوريات روسيا الفيديرالية، ومن التأثير الهائل لوسائل التواصل الاجتماعي على فئات واسعة في المجتمع، وفي شكل خاص الأوساط الشبابية التي تستخدم هذه المنابر لمواجهة التضييق والتحجيم اللذين تمارسهما الدولة على الميديا والصحافة الاستقصائية، وتعطيل دورها في تعرية الفساد المستشري في مؤسسات الدولة، ومحاولة تحويلها إلى أدوات بيد السلطة، لحرف الأنظار عن المشكلات الحقيقية في المجتمع، وتكريس النزعات القومية المتشددة، والتعكز على الكنيسة الأرثوذكسية التي أضحت أداة بيد الرئيس فلاديمير بوتين للحصول على الشرعية السياسية، لتحقيق مخططاته السلطوية في إطار شبكة من المصالح المتبادلة. ويتضح من آخر استطلاعات الرأي في روسيا الذي نشرت جريدة «روسييسكايا غازيتا» نتائجه» أن 11 في المئة فقط ممن تم استطلاعهم، عبروا عن مواقف رافضة لأي شكل من أشكال الرقابة على الانترنت، مقابل 49 في المئة يدعمون فرض الرقابة على الشبكة». هذا فيما أعرب 42 في المئة من المشاركين في الاستطلاع الذي أجراه مركز دراسات الاتصالات الدولية التابع لمعهد الاتصالات الدولية في جامعة بنسلفانيا بالتعاون مع المركز الروسي لبحوث الاتصالات، عن اقتناعهم بأن الدول الأخرى تستخدم الشبكة لإلحاق أكبر الأضرار بروسيا. اختبارات سرية فاشلة وتحدثت وسائل إعلام معارضة عن قيام وزارة الاتصالات الروسية ومؤسسة الرقابة على الاتصالات في ربيع العام الحالي بتجربة لوقف ارتباط روسيا بشبكة الانترنت، وقالت أن التجربة فشلت على الرغم من القطع الافتراضي لخطوط وقنوات الاتصال بالشبكة الدولية، إذ تواصل عملها من دون أي انقطاع، واستمر تدفق المعلومات إلى روسيا. وأكد حصول هذه الواقعة اندره سميركوف الذي يشغل منصب المدير العام لوكالة (ER-TELEKOM) التي تعد إحدى الشركات الكبرى التي تقدم خدمات الانترنت في روسيا، وذلك في حديث إلى وكالة أنباء (RBK) الروسية. إلا أن أحد مسؤولي إدارة الرقابة على الانترنت قال للوكالة نفسها ان «عبارات سميركوف اقتطعت من سياقها» و «أن الصحافيين فسروها في شكل خطأ وغير دقيق» وبالتالي فهي «لا تستحق في شكلها ومحتواها الراهن اي تعليق». في تموز (يوليو) 2014، نشرت وزارة الاتصالات على موقعها الالكتروني انه بطلب من الرئيس فلاديمير بوتين، أجريت «تدريبات لحماية الجسم الروسي في الانترنت» تضمنت البحث عما اذا كان ممكناً قطع المواقع التي تقع في مجال –(domain- ru.rf) من الخارج بنتيجة العقوبات المفروضة على روسيا. ووفقاً للموقع، فإن مؤسسات وهيئات رسمية سيادية عديدة شاركت في هذه الاختبارات مثل «دائرة مكافحة التجسس» و«الدائرة الفيديرالية للحماية»، اضافة إلى «وزارتي الدفاع والداخلية»، و«إدارة الرقابة على الانترنت». وقدمت اللجنة التي أشرفت على الاختبارات تقريرها الذي يتضمن التوصيات والاستنتاجات التي توصلت اليها إلى الرئيس بوتين الذي قرر بمقتضاها إنشاء عناصر بنى تحتية موازية للانترنت، والقيام باختبارات دورية بالتعاون مع «الوكالة الفيديرالية للأمن القومي». ورأى خبراء في تقنيات الانترنت» ان التجارب والاختبارات التي أجرتها روسيا مثلت محاولة لوقف الاتصال من الداخل، وليس الحماية من أعمال ونشاطات أو اختراقات خارجية». وأكد سميركوف «أن الاختبارات هدفت إلى رسم او محاكاة نشوء ظرف او حالة تتسبب في قطع ارتباط روسيا بالعالم. ووفق ما ذكرته (Cnews.ru)، فإن إدارة الرقابة على الانترنت أرسلت إلى الشركات الكبرى التي تقدم خدمة الانترنت تعليمات بوقف ومنع قنوات وطرق محددة بواسطة منظوماتهم الخاصة بإدارة الدفق المعلوماتي(DPI). ورصد خبراء وفق ما ذكرته (RBK) ان الاتصال بالشبكة مع ذلك ظل قائماً ومفتوحاً، ربما لأن شركات خدمة الانترنت الصغيرة لا تمتلك (DPI) خاصاً بها، أو لأنها تستخدم الأقمار الاصطناعية التي تؤمن ارتباطاً منفصلاً او موازياً مع شبكة الانترنت الروسية والاجنبية على حد سواء». شركات صغيرة ويفيد الخبراء بأن هذه الشركات الصغيرة المتخصصة بتقديم خدمات الانترنت تعمل هي وشركات الكابل التلفزيونية وفق نظام منفصل، ما يجعلها بعيدة عن رقابة الدولة. ويؤكد سميركوف» ان ما يصل إلى 11 الف شركة لخدمات الانترنت لا تنفذ في الغالب تعليمات وأوامر تصدرها إدارة الرقابة على الانترنت لوقف عمل مواقع محددة لم تحصل على التراخيص والامتيازات الرسمية الأصولية، وبذلك فهي تواصل من خلال خدمة «بوب كورن تايم Popcorn Time» توفير فرص وإمكانات تحميل الأفلام والعروض التلفزيونية المقرصنة ومشاهدتها، إضافة إلى محطات تلفزة تستخدم كقنوات لما يعرف باسم هجمات(Ddos). وتشير بيانات رسمية إلى «أن هذا النوع من المواقع الالكترونية يسيطر على 62 في المئة من السوق المحلية للانترنت و45 في المئة من محطات الكابل التلفزيونية». أحكام قضائية ومحتويات مقرصنة لم تتأخر محكمة العاصمة موسكو في إصدار أحكام بوقف تام ونهائي لحوالى عشرة مواقع الكترونية تتولى نشر وتحميل افلام وبرامج ومحتويات غير مرخصة قانونياً، كما وطالبت بوقف عمل أحد أشهر(Ru Traker) الذي وفق بيانات (Liveinternet) يبلغ عدد مستخدميه حوالى 14 مليون شخص في الشهر. ويعد الموقع الآخر(Rutor.org) الذي وصل عدد مستخدميه في ايلول (سبتمبر) المنصرم وفق بيانات أصدرها(Similarweb)، إلى أكثر من 23 مليون شخص، الموقع الأول الذي يتم حجبه في شكل نهائي في تأريخ الانترنت في روسيا. ولقيت المصير نفسه المواقع الآتية: (Bobfilm.net) و (Kinozal.tv)و(Tuskan.net) و (Tvserial-online.net). وذكرت وكالة (ايتار تاس) أن إجمالي عدد مستخدمي هذه المواقع المعطلة بلغ خلال شهر تشرين الأول (اكتوبر) الماضي أكثر من 75 مليون شخص. احتياطات استراتيجية لم تفلح لا إجراءات الكرملين ولا أحكام القضاء وقراراته في وقف عمل هذه المواقع، فقد تحول (Ru tracker) على الفور إلى الاحتياط الاستراتيجي المعد سلفاً لمثل هذه الحالات وانتقل إلى ما يعرف باسم «المرايا» مثل (X-tor.org) و(New-rutor.org) وغيرها، أما المستخدمون المباشرون لهذه المواقع، فتعلموا بسرعة سبل الالتفاف على المنع والتعطيل واكتشاف طرق جديدة تتيح الدخول مجدداً إليها بواسطة وسائل أخرى متاحة، منها على سبيل المثال VPN. ولكن مع ذلك، يرى الخبراء ان إجراءات إدارة الرقابة أثرت في شكل ملموس في أعداد زائري ومستخدمي هذه المواقع، حيث سجل (ٌRutorg.org) انخفاضاً في عدد زائريه في نيسان (ابريل) الماضي إلى 70 مليوناً تقريباً، بعدما كان في آذار (مارس) 75 مليوناً. وتفيد تقارير إدارة شبكة الاتصالات الالكترونية الحكومية ب «أن عدد المواقع غير المرخصة العاملة في شبكة الانترنت الروسية والتي تعرض محتويات مقرصنة، يبلغ أكثر من 5 آلاف، تحقق أرباحاً من الإعلانات وحدها تصل قيمتها إلى 70 مليون دولار في السنة. وحذرت دراسة أعدتها صحيفة «كوموسمولسكايا برافدا» من ان وقف عمل الانترنت في روسيا سيؤدي إلى نشوب اضطرابات واحتجاجات شعبية عارمة، لأن الغالبية العظمى من المواطنين لن يكون بمقدورها بعد الآن التنفيس عن انفعالاتها ومشاعرها السلبية». إلا أن جريدة «كوميرسانت» أكدت «أن غالبية مستخدمي الانترنت الروس ليس لديها الاستعداد المطلوب للدفاع عن حرية الحصول على المعلومات، واستخدام خدمات القطاع الروسي لشبكة الانترنت».