أصبحت الدول تتعامل الآن مع الإنترنت كوسيلة إعلامية قائمة بذاتها لا تختلف عن نظيراتها المرئية والمسموعة والمقروءة، وطالما امتدت يد الرقابة إلى إحدى هذه الوسائل فهى بالطبع لن تترك الشبكة ولن تمر عليها مرور الكرام دون وضع قيود اجتماعية وسياسية ومادية عليها. وفي الآونة الأخيرة ظهر جلياً تأثير الإنترنت على سياسات الدول وتحريك مظاهرات وتنظيم إضرابات ولعل أشهرها ما حدث فى مصر أوائل الشهر الماضي فيما عرف بيوم 6 أبريل، لذلك لم تجد الحكومات بد من ضرورة فرض الرقابة على هذه الأداة. وبالفعل بدأت روسيا بالعمل على أرض الواقع حيث تقدم مسؤولون في الحكومة باقتراح لإصدار قوانين صارمة لمراقبة مستخدمي الإنترنت في روسيا والبالغ عددهم 29 مليون. وأفادت صحيفة Gazeta rossiiskaya الحكومية أن بعض المسؤولين في الحكومة الروسية اقترحوا تعديلاً على شبكة الإنترنت وإخضاعها لذات القوانين الصارمة والرقابة التي تخضع لها وسائل الإعلام التقليدية في غضون شهر. ومن شأن التعديل الجديد منح السلطات الصلاحية الكاملة لإجبار الشركات المزودة بخدمات الإنترنت في روسيا لحظر مواقع تحتوي على "محتوى خاص بالمتطرفين" ، وإغلاق المواقع المحلية التي تحتوي على مثل هذه المواد. وتأتي هذه الأخبار الجديدة بعد أقل من أسبوعين من صدور تقارير تفيد بأن وسائل الإعلام الروسية وشركات الاتصالات ودائرة الحماية الثقافية ستطلب تسجيل كل جهاز WI-FI في البلد، بما فيها أجهزة المساعدات الشخصية PDA و الهواتف الذكية، هذا فضلاً عن مستخدمي الشبكة المنزلية، وهنا لابد من موافقة جهازي الأمن الفيدرالي و جهاز الحرس الفيدرالية في موسكو. ومن المتوقع أن تواجه القوانين الجديدة مصاعب عديدة من أبرزها التحديات التي سيفرضها جمع الوثائق والمدة الزمنية لإنجاز ذلك. ولكن تكمن المشكلة بالفعل حينما تدعو أعلى منظمة دولية فى العالم "الأمم المتحدة" والمفروض أنها تساند التحرر ومنع الرقابة بكافة أشكالها إلى فرض الرقابة على الإنترنت بزعم أنه يدعم الإرهاب. ففى هذا الصدد، قال مسؤول مكافحة الإرهاب الجديد بالأمم المتحدة مايك سميث أن مخاطر الإرهاب العالمي بدأت تتراجع في بعض المناطق لكن شبكة الانترنت سلاح قوي يستخدم لحشد المتشددين ويجب مراقبتها بطريقة أفضل. وذكر سميث وهو استرالي يعمل فى منصب رئيس الادارة التنفيذية لمكافحة الارهاب بالامم المتحدة في نيويورك "الإنترنت تسبب قلقاً حقيقياً ولا اعتقد أننا توصلنا إلى حل حتى الآن"، مضيفاً أنه "في الماضي كان يتعين على الارهابيين ان يعبروا الحدود ليعدوا خططا ويهاجموا مواقع". وأكد أن هذه الأيام يمكن عمل جزء كبير من هذه الأشياء على الإنترنت حيث يمكنهم اعطاء تعليمات ويمكنهم التنسيق ويمكنهم تجنيد أفراد من خلال مواقع الجهاديين. والرقابة على الإنترنت تأخذ شكلاً يختلف كلياً عن الوسائل الأخرى نظراً لصعوبة تطبيقها على هذا العدد الهائل من المواقع وهو ما أكده بيل جيتس حينما رأى أن محاولات بعض حكومات العالم لتضييق الخناق على المواقع الإلكترونية لا تجدي نفعاً لأن المعلومات التي تحجب في مكان ما يمكن قراءتها بكل سهولة في مكان آخر أو من خلال تبادلها عبر رسائل البريد الإلكتروني. وكانت الرقابة على الإنترنت قد شهدت زيادة كبيرة خلال السنوات الخمس الأخيرة، فقد أظهرت دراسة نشرت مؤخراً أن 25 دولة من بين 41 دولة، أجرت مؤسسة "أوبن نت إنيشياتف" فيها مسحاً، تمارس الرقابة على الإنترنت. وبين الدول ال 25 التي تفرض رقابة على الإنترنت، يمنع بعضها (إيران والصين والسعودية) مجموعة واسعة من المواضيع، فيما تحظر دول أخرى موضوعا محددا. فهدف كوريا الجنوبية مثلا واحد وهو المواقع الكورية الشمالية. وتركز ست دول خصوصا على الرقابة السياسية مثل بورما والصين وإيران وسوريا وتونس وفيتنام. كما تمارس أربع دول (السعودية وإيران وتونس واليمن) رقابتها على مواضيع اجتماعية. وتستهدف خمس دول (بورما والصين وباكستان وكوريا الجنوبية) مواقع المنشقين والمتطرفين. فى نفس السياق، حذر كتاب صدر في بريطانيا من إمكانية ضياع الحرية التي تتمتع بها شبكة الانترنت، الامر الذي يهدد بتحويلها الى واحدة من اكثر وسائل النشر تقييداً. ففي الوقت الحالي يجد كل مستخدم للانترنت أن أدوات البحث شائعة الاستخدام كثيرا ما تقدم له الكثير من المواقع ذات المضامين المتطرفة او الخارجة عن قواعد الذوق العام. وتتنوع هذه المواقع ما بين تلك التي تنشر مواد جنسية او آراء عنصرية، وقد حدث ان استخدم بعض المجرمين الانترنت لنشر تبريراتهم لجرائمهم. وذكر الكاتب ان موقف الحكومة البريطانية في هذا الصدد يقوم على وجوب عدم استثناء الانترنت من قوانين النشر والبث المعمول بها في وسائل الثقافة والاعلام التقليدية. وفى مواجهة هذه الظاهرة السلبية شنت شركة جوجل حملة لمكافحة التزايد العالمي في فرض الرقابة على الإنترنت، رغم أن هذه القضية تقابل بالتجاهل النسبي من جانب الإدارة الأمريكية. وطالبت الشركة التى تمتلك أكبر محرك بحث على شبكة الإنترنت مسئولى التجارة فى الولاياتالمتحدة اعتبار الرقابة المفروضة على مواقع الإنترنت مثل العوائق المفروضة على التجارة الدولية كالتعريفات الجمركية التى تفرضها البلدان على بعض السلع . وتعتبر جوجل الرقابة الحكومية المتزايدة على مواقع الإنترنت خاصة في دول الشرق الأوسط وآسيا بمثابة تهديداً محتملاً للعمليات الإعلانية التى تجريها عبر الشبكة ، مناشدة مسئولى تلك الحكومات لإعادة النظر فى تلك المسألة من منظور اقتصادى بدلا من اتخاذه بناء على اتجاهات سياسية فقط .