صب صندوق النقد الدولي قليلاً من الزيت على نار مستعرة، ففي حين حذرت وكالات التصنيف الكبرى الدول الصناعية المتقدمة المثقلة بالديون وعلى رأسها الولاياتالمتحدة وبريطانيا من خسارة تصنيفها السيادي الممتاز، كشف الصندوق تقريراً توقع للدين العام الأميركي اندفاعة صاروخية تصل به في فترة لا تتجاوز نهاية العقد الحالي إلى نحو نصف الناتج العالمي في 2009 مشككاً بتقديرات كل من البيت الأبيض والكونغرس. وتوقع التقرير الذي نشر الاثنين على شكل «ورقة عمل» بالتزامن مع تحذير صدر عن وكالتي التصنيف الأميركيتين العالميتين «ستاندرد آند بورز» و«موديز» من ارتفاع حجم الدين العام الأميركي إلى 24 تريليون دولار في 2020 انطلاقاً من مستواه الحالي الذي يناهز ثمانية تريليونات دولار وتعود ملكية نصفه (46 في المئة) إلى صناديق الاحتياط الأجنبي للصين واليابان والمتعاملين في مركز لندن المالي ودول خليجية، إضافة إلى الاستثمار الدولي الخاص. واصطدمت توقعات صندوق النقد، أقله وفقاً لورقة العمل ومحرريها «أويا سيلاسون» و«جيفري كيم،» حتى بأحدث التقديرات التي نشرها «مكتب بحوث الموازنة» في الكونغرس قبل عشرة أيام بعد تحليل مشروع موازنة الرئيس الأميركي باراك أوباما للسنة المالية 2011، علماً أن هذه التوقعات تشترك مع تقديرات البيت الأبيض والكونغرس في التركيز على الدين العام مستثنية الدين الحكومي من الدين الفيديرالي الاجمالي. وفيما أكد مكتب الموازنة في تحليله أن العجوزات المالية التراكمية المتوقعة طول سنوات العقد الجاري ترفع قيمة الدين العام من 7.5 تريليون دولار أو ما يعادل 53 في المئة من الناتج الأميركي في 2009 إلى 20.3 تريليون دولار (90 في المئة من الناتج) في 2020، لم يتوقع صندوق النقد ارتفاع حجم الدين إلى 24 تريليوناً (106 في المئة من الناتج الأميركي) فحسب، بل رأى أن نسبة احتمال تجاوز هذا الرقم تصل إلى 20 في المئة. لكن مكتب الموازنة أبرز في الوقت ذاته العامل الأكثر أهمية الذي بات يهدد التصنيف السيادي الممتاز للولايات المتحدة، فأوضح أن أعباء خدمة الدين العام وتحديداً الفائدة المستحقة منها للمقرضين، سترتفع إلى أربعة أضعاف قيمتها في 2009، ما يعني طبقاً لنص مشروع الموازنة، قفزة سوريالية من 173 بليون دولار في 2009 إلى نحو 880 بليوناً (4.1 في المئة من الناتج الأميركي) نهاية العقد. وفيما شددت «ستاندرز آند بورز» على خطورة وضع المديونية على التصنيف الائتماني السيادي للولايات المتحدة، أطلقت «موديز» تحذيراً شديداً بأن الدول الصناعية المثقلة بالديون وخصوصاً أميركا وبريطانيا تحركت إلى مسافة قريبة جداً من خسارة تصنيفها الممتاز (الألف الثلاثي) وإن اعترفت بأن احتفاظ الدول المعنية بقدرتها على خدمة ديونها بما يتوافق مع تصنيفها العالي سيتطلب تضحيات جساماً قد تهدد وحدة نسيجها الاجتماعي. وأكدت «موديز» أن التصانيف السيادية للدول الصناعية، التي تقررها الجدارة الائتمانية (القدرة على التسديد) لا تزال «مستقرة»، لكنها أوضحت أن «المسافة التي تفصل هذه الدول عن خفض تصنيفها تقلصت في شكل كبير». وحذرت من أن «النمو الاقتصادي لن يكون كافياً بمفرده لحل معادلة مديونية تزداد تعقيداً بإطراد»، في إشارة إلى علاجات تقليدية تتمثل في زيادة الضرائب أو خفض الإنفاق العام أو كليهما. واشتركت «موديز» مع صندوق النقد في التشديد على عجز النمو الاقتصادي بمفرده عن مواجهة تحدي المديونية، لكن ورقة العمل ذهبت على أبعد من ذلك لتشدد على دور يمكن أن تلعبه في هذا المجال عوامل أخرى، أهمها احتفاظ مجلس الاحتياط الفيديرالي (المصرف المركزي الأميركي) بمستويات منخفضة من أسعار الفائدة لأطول فترة ممكنة في محاولة لتخفيف عبء خدمة الدين.