لم تُثِر إشارة القائد العام ل «الحرس الثوري» الإيراني محمد علي جعفري إلى تباين في الرؤى بين موسكووطهران حيال الملف السوري، تعليقات أو ردود فعل في روسيا التي لا ترغب في «تضخيم» الحديث عن هذا الموضوع في مرحلة حساسة. إذ تحتاج إلى أوسع تنسيق ممكن مع طهران في العمليات العسكرية التي تنفّذها، ولا يخفي عسكريون روس اقتناعهم بأن مهمة سلاح الجو الروسي، تبدو أقرب إلى المستحيل من دون القوات التابعة لإيران على الأرض. لكن «التجاهل» لا يعكس رغبة في عدم فتح ملف شائك فحسب، بل يبرز كذلك اقتناع النخبة الروسية التي تدير الملف السوري، بأن الجزء الأعظم من عناصر الخلاف مع طهران يمكن تجاوزه، وأن مساحة «المصالح المشتركة في سورية» أوسع بكثير من الخلافات. مستشارة مدير معهد الدراسات الاستراتيجية التابع للكرملين، إيلينا سوبونينا قالت ل «الحياة» إن لدى الطرفين «الأولويات ذاتها» في سورية، وأبرزها الحفاظ على الدولة من الانهيار، وفيما تعتبر طهران بقاء رأس النظام الرئيس بشار الأسد ضمانة لتحقيق ذلك، تتعامل موسكو مع الملف في شكل أكثر مرونة. ولفتت الخبيرة سوبونينا التي كانت في طهران لدى بدء التدخل العسكري الروسي المباشر في سورية، إلى أن الإيرانيين أبدوا ارتياحاً واسعاً له، ولم يخفوا أنهم طالبوا الرئيس فلاديمير بوتين بهذه الخطوة «منذ وقت طويل»، وأن النقاش العملي لطبيعة التدخُّل الروسي بدأ في الربيع الماضي. ورأت أن التناقض قد يظهر لاحقاً في رؤية الطرفين للوضع في المنطقة في مرحلة ما بعد الأزمة السورية، لأن طهران ليست مرتاحة إلى فكرة روسيا المتعلقة بضرورة إيجاد مداخل مناسبة لتسوية كل المشكلات الإقليمية، مع ما يبرز من مساعٍ روسية للتقارب مع بلدان الخليج العربي، ومحاولة لعب دور وساطة لتقريب المواقف بينها وبين إيران. وعلى المدى القصير، قلّلت سوبونينا من أهمية تصريحات جعفري باعتبارها تعبّر عن «مزاج العسكريين وتعكس اللهجة الأكثر حدة، خلافاً للديبلوماسية الإيرانية التي تبدو مواقفها أقرب إلى موسكو، وأكثر مرونة في التعامل مع ملفات الخلاف وعلى رأسها مصير الأسد». في المقابل، اعتبر مدير مركز دراسات إيران المعاصرة رجب صافاروف، أن الخلاف الروسي - الإيراني هو «في التفاصيل وليس في الاستراتيجيات». وأشار إلى أن موسكو ليست مرتاحة إلى التدخُّل العسكري الخارجي في سورية «من كل الأطراف، بما فيها إيران» لكنها «تدرك جيداً أهمية التحالف مع الإيرانيين»، وأن وجودهم في سورية «منع الانزلاق نحو سيناريو أسوأ بالنسبة إلى موسكووطهران». وتتمسك روسيا ب «التغيير الجذري في مؤسسات الحكم السورية وأدواته الدستورية، وعدم ربطها بشخص الأسد» لكنها تتفهّم الموقف الإيراني في الدفاع عن بقائه، لأن لطهران «مصالح كبرى في سورية». ورأى صافاروف أن موسكو «لا تعترض على وجود إيراني ثابت في سورية». ولفت إلى أن الخلاف على الآليات لا يعرقل تحرُّك الطرفين الروسي والإيراني نحو تعزيز «التحالف»، وتحويله إلى «شراكة استراتيجية بكل أبعادها الاقتصادية والسياسية، بما في ذلك التعامل مع كل الملفات الإقليمية». ولاحظ أن طهران «شريك مناسب» لروسيا في ظروف عزلتها الدولية التي قد تستمر سنوات، لذلك ينتظر تعميق الشراكة، وهو ما تدل عليه زيارة بوتين المرتقبة لطهران في غضون أسبوعين، وهناك سيوقّع وثائق مهمة.