في عام 2006 بثت الفضائية الفرنسية «تي في فايف» تقريراً مطولاً عن تقرير «كاذب» بثته قناة «rtbf» البلجيكية، استغرق ساعتين، ومفاده ان منطقة فلاندرز في بلجيكا، الناطقة باللغة الهولندية، قد أعلنت استقلالها من جانب واحد وبالتالي فإن بلجيكا كأمة واحدة لم تعد موجودة، واختار التقرير لدى القناة «الكاذبة» «عنواناً لافتاً: أوروبا بلا بلجيكا» أو شيئاً من هذا القبيل. يومها لعب المخرج على مجموعة من الصور القديمة لوزراء وأحداث ومناسبات وقدمها بعد ان أجرى عليها معالجات ذكية وكأنها تحصل أثناء البث المباشر للتقرير وتؤكد : انقسام بلجيكا، صور لحشود تحمل العلم الفلمنكي، اختناقات مرورية ضخمة في الطرق المؤدية إلى مطار بروكسل، وعربات الترام عالقة على الحدود...! ما حصل بعد ذلك كان فوق ما توقعت القناة، ارتباك كبير في مشهد السياسين، فزع وسط المواطنين.. ولم يكن سهلاً على القناة الدفاع عن نفسها! وكانت «تي في فايف» في تقريرها تحاول قراءة الأصداء السلبية لتلك المادة التلفزيونية الزائفة وقد استنطقت الأطراف المختلفة حول الأمر: بالنسبة لقناة rtbf التي عانت في ما بعد من سخط الجميع عليها، خصوصاً من الصحافة، فقد دافع عنها رئيس وحدة الأخبار فيها قائلاً ان ما تم «تقديمه هدف إلى اختبار قابلية المواطنين لأن يُخدعوا بما يبثه التلفزيون»، موضحاً انهم كانوا يؤكدون على ان التقرير غير صحيح وزائف على رأس كل دقيقة أثناء قراءة التقرير.. المذيع يقول ذلك، أو هو يرد على الشريط: هذا تقرير كاذب»! لكن الناس لم ينتبهوا الى الحقيقة وخُدعوا بالكذبة! وفي ما عرضته «تي في فايف» نتبين الجهود التي بذلها فريق اعداد «التقرير الكاذب» وقد استغرقت وقتاً طويلاً، بخاصة نقاشهم المستفيض - المسجل - حول الاحتمالات السياسية المختلفة لبثه. ولقد تجلت يومها الحساسية المبدعة في تركيب صور المسؤولين وتقطيع ولصق اصواتهم في تصريحات ليست لهم، والأرشيف عادة حافل بما يمكن توليفه واعداده لتزييف الحقائق ! عموماً.. كان هناك ما يمكن اعتباره خلاقاً ومدهشاً وجديداً وما لا يمكن نسيانه في التقرير، على رغم ان بعضهم رأى فيه تحريضاً على الانفصال بين طرفي الدولة الأوروبية الصغيرة، بخاصة ان بثه جاء مع نمو النزعة الانفصالية وسط مواطنيها! وفي يوم الأحد 14 آذار (مارس) الجاري، أي بعد مرور أربع سنوات على ذلك التقرير اعادت (حتى لا نقول: سرقت) قناة «ايميدي» الموالية للحكومة الروسية انتاج ذات الفكرة، ونقلت صوراً لتوغل الدبابات الروسية الى جورجيا، وأفادت في تقرير مدته نصف ساعة بأن الدبابات الروسية دخلت العاصمة تبليسي، وأن الرئيس ساكاشفيلي قد قتل وتسلمت الحكم رئيسة المعارضة نينو بوردجانادزه. وعرضت المحطة خلال التقرير صوراً أرشيفية تظهر تقدم الدبابات الروسية وذكرت ان هذه القوات قصفت مطار العاصمة، وعدداً من القواعد العسكرية، مشيرة إلى مقتل أربعة مواطنين وإصابة ستة بجراح.. واوردت وكالات انباء روسية ان مئات من أنصار المعارضة الجورجية خرجوا مساء 13 آذار بعد عرض التقرير الزائف الذي أثار الذعر في كافة أنحاء البلاد، الى مبنى قناة «إيميدي» للاحتجاج ضد سياسة الحكومة وما وصفوه بقيامها ب «الإرهاب الإعلامي». وكما ورد في وكالات اخبار ايضاً: ان القناة التلفزيونية وصفت التقرير الوهمي بأنه «تحفيزي» يصور أحداث ما قد يكون عليه شكل أي غزو مستقبلي، وأنهت التقرير بالإشارة إلى أن كافة أحداثه غير حقيقية. لكن المشاهدين صدقوا الوهم ولم ينتبهوا للحقيقة! والآن علينا، كما يبدو، ان ننتظر مبادرة مماثلة لتلك التي بذلتها قناة «تي في فايف» الفرنسية حينما عرفتنا بما جرى في كواليس التقرير الذي أوهم ب «نهاية بلجيكا».. لتكتمل الصورة المكررة بنسخة روسية تُوهم بنهاية جورجيا ! وربما علينا ايضاً انتظار من سيحدثنا لاحقاً عن «جماليات التلفزيون الكاذب»!