على رغم وجود نوايا ومخططات لإعادة حزب البعث المنحل إلى الحياة السياسية والعامة وبطرق عدة إلا أن هذه المحاولات التي تتبناها أميركا وقوى إقليمية والأمم المتحدة تواجه معوقات تتمثل في انقسام أجنحة الحزب وتنافرها من جهة واعتراضات الأحزاب الشيعية على تعديل قانون المساءلة والعدالة الذي اجتث البعثيين من وظائفهم الحكومية ويمنع عودتهم إلى السياسة. وقال مسؤول في لجنة المصالحة الوطنية التابعة لمجلس الوزراء العراقي، فضل عدم الكشف عن اسمه، في تصريح إلى «الحياة» إن «المفاوضات الجارية مع قيادات رأسية في أجنحة حزب البعث المنحل، توصلت إلى أنهم أبدوا استعدادهم للاعتراف بالعملية السياسية واحترام الدستور المعمول به بما فيه مواده التي تمنع عودة الحزب إلى الحياة السياسية إضافة إلى التعهد بمحاربة تنظيم داعش الإرهابي». وأكد أن «أحد أكبر قيادات البعث أنه التقى طرفاً ثالثاً في عاصمة عربية وأبلغه أن النظام الداخلي للبعث يسمح بتغيير الاسم في حال وجود ضرورة لاستمرار العمل السياسي». وكشف المصدر وجود «عدة قضايا لتصفية ملف هذا الحزب بينها التعامل مع الملفات القضائية ضد مجموعة كبيرة من قياداته وأعضائه حيث ذهب البعض إلى اقتراح إصدار قرار برلماني أو حكومي لوقف ملاحقتهم، ورأي آخر أن تتم تسوية الأمر من خلال المحاكم مع تنازل أطراف الادعاء بالحق العام أو الشخصي، وكذلك تسوية ملف الاجتثاث». وأشار إلى أن «مفاوضات استمرت أكثر من عام كان أحد أهدافها فرز الذين يركبون موجة مناهضة العملية السياسية من أجل مكاسب شخصية ولا يمثلون إلا أنفسهم ومن يمتلكون قاعدتهم وتأثيرهم على الأرض من أجل تحديد تأثيرهم في تجنيد أو تحييد حواضن «داعش» في عدة مدن سنية مغتصبة». وحول المؤتمرات التي عقدت في عدة عواصم خلال العام الفائت قال إن «هذه المؤتمرات قدمت خدمة كبيرة للداعين إلى المصالحة من عراقيين أو عرب أو أجانب حيث أبلغنا أصدقاءنا أن انطباعاتهم تعززت بوجود رهط انتهازي بعيد عن المصلحة الوطنية»، وتابع: «من خلال مجريات مؤتمر الدوحة الأخير كانت الخلافات كبيرة بين الحاضرين حتى أن أحد أصدقائنا الأجانب من الحاضرين نقل إلينا أنهم (المؤتمرون) وعلى مدى أيام اللقاء كانوا منقسمين إلى ثلاثة أطراف، وفشلت كل الجهود بما فيها القطرية في جمعهم في جلسة عمل واحدة ووصلت الأمور إلى حد انسحاب هيئة علماء المسلمين من المؤتمر». واستدرك: «كان الانطباع عند الأصدقاء أن هذا المؤتمر كان لرجال الأعمال فقط». وضمن المحاولات الأميركية وأطراف إقليمية لتوحيد القوى المناهضة للعملية السياسية وفي مقدمهم حزب البعث المنحل تؤكد المعلومات أن مؤتمر تنزانيا الذي أعقب الدوحة كرس الانقسام والنفور بين أجنحة الحزب، ولفت أبو وسام الجشعمي، قيادي في جناح عزة الدوري، في تصريح إلى «الحياة» أن «الحزب نجح في إبعاد محمد يونس الأحمد (زعيم جناح بعثي معروف برفضه سياسات الدوري) عن المؤتمر وإدخال ممثل عن جيش الطريقة النقشبندية». كما أكد قيادي بارز في «القيادة العامة للقوات المسلحة، الجيش العراقي»، وهو فصيل سني مسلح تابع إلى جناح الأحمد، في اتصال مع «الحياة» أن «المجلس العسكري الذي شارك في مؤتمر الدوحة من خلال الفريق الركن صباح العجيلي واللواء الركن نجم عبدالله زهوان العجيلي يمثل هيئة علماء المسلمين برئاسة مثنى حارث الضاري، وليس المجلس العسكري العام»، واتهم «الفريق الركن عبد الجواد ذنون والفريق الركن صباح علوان بأنهم باعوا بلدهم بثمن بخس»، وحمل «الضاري وحزب البعث جناح عزة الدوري وعبدالصمد الغريري، (قيادي بارز مع الدوري) مسؤولية دمار البلاد واحتلالها وتحويلها إلى مقر للصهيونية وكل من يريد السوء بالعراق من العرب»، مؤكداً أن «جناح الدوري لن يعود إلى السلطة أبداً». وهددت المجموعة «الحزب الإسلامي باعتباره الواجهة لتنظيم الإخوان المسلمين وشيوخ المال وفي مقدمهم علي الحاتم وعلي الدباش ممثلاً عن الجيش الإسلامي الذي لا وجود له إلا في قطر وقد بايع غالبية أعضائه داعش، ومجموعات أخرى، أن أبناء الجيش العراقي السابق والذين قارعوا المحتل سيقارعون عملاءه المتمثلين بكياناتهم الهزيلة». وأفاد محمد مدلول، مشاور قانوني في هيئة المساءلة والعدالة، في تصريح إلى «الحياة» أن «حديثاً يدور منذ فترة حول تصفية ملفات البعثيين بين الهيئة ومجلس الوزراء». وأوضح أن «تعديلاً على قانون الهيئة تم إرساله إلى الحكومة لغرض المصادقة عليه وإرساله إلى البرلمان لتشريعه يمكن أن يدعم هذا التوجه». وتشير التسريبات إلى أن التعديلات المقترحة على قانون المساءلة والعدالة تمنح فرصة كبيرة للحكومة والقوى السياسة لإنهاء هذا الملف الشائك، ومنها اقتراح تغيير نص المادة 6 المتعلقة بإجراءات متشددة ضد موظفي الدولة من كبار أعضاء حزب البعث إلى الاكتفاء ب «إنهاء خدمات جميع الموظفين، من كان منهم بدرجة عضو فرع وإحالتهم إلى التقاعد بموجب قانون الخدمة النافذ وإحالة جميع الموظفين الذين يشغلون إحدى الدرجات الخاصة (مدير عام أو ما يعادلها فما فوق) ممن كانوا بدرجة عضو شعبة في صفوف حزب البعث إلى التقاعد، وإنهاء خدمات منتسبي الأجهزة الأمنية ممن تمت إدانتهم بموجب قرارات قضائية اكتسبت الدرجة القطعية في قمع الشعب العراقي إلى التقاعد بموجب قانون الخدمة والتقاعد النافذ». وحرمت المقترحات الجديدة «المتطوعين في جهاز فدائيي صدام من أي حقوق تقاعدية لعملهم في الجهاز المذكور ويستثنى من ذلك العسكريون والموظفون الذين نقلوا إلى الجهاز المذكور بأوامر من سلطة أعلى». وسمحت «لجميع الموظفين غير ذوي الدرجات الخاصة ممن كانوا بدرجة عضو شعبة فما دون في صفوف حزب البعث بالعودة إلى دوائرهم والاستمرار في وظائفهم أو إحالتهم إلى التقاعد بناء على طلبهم بموجب قانون الخدمة والتقاعد النافذ» بعدما كانت مقتصرة على أعضاء الفرق كحد أعلى. وحظرت التعديلات على «أعضاء الشِعب العودة إلى الخدمة أو الاستمرار فيها من الهيئات الرئاسية الثلاث ومجلس القضاء الأعلى والوزارات والأجهزة الأمنية ووزارتي الخارجية والمالية. وينقل الذين ينتسبون إلى هذه الدوائر إلى دوائر أخرى، ولا يصرف الراتب التقاعدي أو المنحة لكل من كان منتمياً إلى حزب البعث بعد 20 آذار (مارس) 2003. وألغى المشروع المقترح فقرة تنص على أن «تسقط الحقوق الواردة في الفقرات السابقة عن كل شخص تثبت قضائياً مشاركته بجرائم ضد الشعب العراقي أو أثرى على حساب المال العام». وتعترض القوى الشيعية على التعديلات الجديدة، حيث وصف النائب السابق، طه درع السعدي، في تصريح إلى «الحياة» التعديلات بأنها «مكافأة أميركية للبعثيين على الدماء التي سفكوها وساهموا بإراقتها على أرض العراق، قبل وبعد نيسان (أبريل) 2004»، ورأى أن «هناك صعوبة كبيرة ستواجه مسودة التعديلات هذه داخل البرلمان بسبب اعتراضات الكتل الشيعية التي تحتل أكثر من ثلثي مقاعده». وما زال عدد من كبار قادة حزب البعث المنحل من المطلوبين في القائمة 55 أحراراً بينهم، عزة إبراهيم الدوري، نائب رئيس مجلس قيادة الثورة، المسؤول العسكري عن المنطقة الشمالية أثناء الحرب، وهاني عبد اللطيف طلفاح، ابن شقيق عدنان وزير الدفاع الأسبق وابن خال صدام، ومدير القوات الخاصة، وشقيقه الآخر رفيق عبد اللطيف طلفاح مدير جهاز الأمن العام، وسيف الدين فليح حسن، رئيس هيئة أركان قوات الحرس الجمهوري، وطاهر جليل حبوش، مدير جهاز المخابرات، وروكان أرزوقي عبد الغفار سليمان المجيد، رئيس مكتب الشؤون العشائرية في مكتب صدام، ويحيى عبد الله العبودي، مسؤول مكتب حزب البعث في محافظة البصرة، ونايف شنداخ ثامر، المسؤول السابق لحزب البعث في محافظة صلاح الدين، ورشيد طعان كاظم مسؤول مكتب حزب البعث في محافظة الأنبار، وخميس سرحان المحمد، مسؤول حزب البعث في كربلاء، إضافة إلى عدد آخر صدرت بحقهم مذكرات اعتقال بتهم الإرهاب بينهم محمد يونس الأحمد زعيم ثاني أكبر جناح في حزب البعث المنحل.