قبل نحو اسبوعين دعا مؤتمر عالمي في جنيف لمناهضة عقوبة الإعدام إلى إلغاء هذه العقوبة. تلك الدعوة تلقفها عدد من رجال القانون والحقوقيين في مصر ليسارعوا في الترويج لها، إلا أن رجال الدين وعدداً من الجماعات الإسلامية وقفوا بالمرصاد أمام محاولات إلغاء تلك العقوبة التي يرى فيها مناهضوها «عقوبة تتضمن قدراً كبيراً من القسوة». وكانت المحاكم المصرية ضربت العام القضائي المنصرم الرقم القياسي في الأحكام التي أصدرتها بالإعدام، إذ شارف عدد الأحكام هذه خلال العام الماضي المئة حكم، وهو رقم غير مسبوق في تاريخ مصر القضائي. نائب رئيس محكمة النقد المصرية المستشار أحمد مكي يرى ضرورة في تقنين عقوبة الإعدام على أن تقتصر على القصاص في جرائم القتل فقط، وإذ يتفق رئيس المنظمة المصرية لحقوق الإنسان حافظ أبو سعدة مع طرح مكي إلا أنه يؤكد أن مسألة تقنين العقوبة «لم تنضج بعد على رغم المحاولات». ويشير إلى أن «المسألة تحتاج إلى فترة من الزمن». ويقول القاضي مكي: «يجب أن تقتصر عقوبة الإعدام على جرائم القتل، خصوصاً اذا اقترنت الجريمة بظروف مشددة، أما في القضايا السياسة والجنائية الأخرى مثل المتاجرة في المخدرات فيجب رفع الإعدام مع تشديد العقوبات على تلك الجرائم. ويوضح ل «الحياة»: نحن مع الشريعة الإسلامية في شأن مسألة القصاص من مرتكب جريمة إزهاق الأرواح، خصوصاً إذا اقترنت جريمة القتل بظروف سرقة بالإكراه أو اغتصاب فتاة لتكون العقوبة بمثابة رادع». ويضيف: «القرآن الكريم نص على تلك العقوبة عندما أمر بالقصاص، لكن، في الوقت نفسه، لا بد من كفالة محاكمة مرتكب تلك الجرائم بمجموعة من الضمانات تؤدي في النهاية إلى تقنين العقوبة باعتبار أن «واقعها مؤلم ولا يمكن الرجوع فيها». وأشار إلى أنه في غير جرائم القتل مثل الجرائم السياسية والتخابر والمتاجرة وجلب المخدرات، فنحن مع رفع العقوبة. رئيس المنظمة المصرية لحقوق الإنسان حافظ أبو سعدة مع رفع عقوبة الإعدام في شكل كامل، ويؤكد انه بالنسبة الى مصر «نريد أن تكون المسألة متدرجة لأن المجتمع المصري لديه بعد ديني لا يمكن تجاهله»، ويشير الى أن المسألة تحتاج إلى وقت طويل وحوار مجتمعي واسع للتوافق عليها. ويوضح أبو سعدة ل «الحياة» «مبدئياً نريد تجميد عقوبة الإعدام لجهة الجرائم كافة غير جريمة القتل العمد مع سابق الإصرار والترصد، لأن عقوبة مرتكب جريمة القتل مسألة متعلقة بالشريعة الإسلامية وتحتاج إلى حوار مع رجال الدين الإسلامي لمحاولة الوصول إلى توافق لا يتعارض مع نصوص الشريعة». ويضيف أبو سعدة «أما بقية الجرائم وهي أكثر من مئة جريمة عقوبتها الإعدام في القانون الجنائي المصري فنستطيع إلغاء العقوبة. ويتابع «رأينا نحو 100 حكم إعدام خلال العام القضائي الماضي ومن ضمنها قضايا مثّلت صدمة للمجتمع المصري، لذا نحتاج إلى حوار واسع وطويل المدى للوصول إلى توافق مجتمعي حول تجميد تلك العقوبة التي لا يمكن التراجع فيها إذا ما تبين بعد تنفيذها أن الجاني بريء». ولفت أبو سعدة إلى أن منظمته «عقدت حوارات عدة وحلقات نقاشية لبحث تلك المسألة فوجدنا إصراراً من رجال دين وأعضاء في جماعة الإخوان المسلمين على الاستمرار في العقوبة». في المقابل يرفض مدير «الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان» السيد عيد في شكل قاطع الاستمرار في عقوبة الإعدام، ويؤكد أنه لا داعي لاستمرارها، مشيراً إلى أنه «لا توجد دراسة علمية تقول إن تنفيذ عقوبة الإعدام يقابلها الحد من الجرائم بل على العكس». ويضيف «أثبتت الدراسات أن الدول التي تطبق الإعدام تزداد فيها معدلات الجرائم وخير مثال على ذلك مصر». ويقول عيد ل «الحياة»: الشريعة الإسلامية لا تدعو إلى عقوبة الإعدام، معتبراً أن الهدف من القصاص هو «إصلاح الشخص وليس الانتقام منه»، ولا يمانع في إجراء حوار مجتمعي في شأن استبدال عقوبة الإعدام بعقوبات قاسية تلائم الجرائم وتكون بمثابة الرادع لمرتكبيها. ويشير مدير مركز «ماعت» لدراسات حقوق الإنسان أيمن عقيل إلى حوار مجتمعي يجرى الآن لتقنين عقوبة الإعدام في القانون المصري، ويوضح: «هناك 59 مادة في القانون تعاقب بالإعدام ولدينا 105 جرائم عقوبتها الإعدام». ولفت عقيل ل «الحياة» إلى إجراء مركزه استطلاعات للرأي لبحث الرؤية المجتمعية في شأن إلغاء أو تقنين تلك العقوبة، مشيراً إلى أنها خلصت إلى أن هناك 4 جرائم هي القتل العمد واختطاف أنثى واغتصابها كذالك التخابر والتجسس لمصلحة جهة أجنبية تحظى بتوافق مجتمعي على أن تكون عقوبتها الإعدام، أمام بقية الجرائم فيجب إلغاء تلك العقوبة عنها مع تغليظ العقوبات السالبة للحرية. ويقول: «سعى إلى تكوين جماعات ضغط على أعضاء مجلس الشعب لتنقية القوانين المصرية» مشيراً إلى تنسيق مع منظمات دولية بهدف حض الحكومة المصرية على «اتخاذ هذا المنهج».