لم يعد الهاجس الديموغرافي (تفوق عدد الفلسطينيين على اليهود في «فلسطين التاريخية») وحده يؤرق إسرائيل، بل دخل على خط السجال «المارد الحريدي»، أي الجماعات المتشددة دينياً واجتماعياً التي تعيش حياتها اليومية في بلدات وأحياء خاصة بها طبقاً لتعليمات الشريعة اليهودية، وذلك في أعقاب تقرير لوزارة المال أفاد بأن عدد «الحريديم» في إسرائيل سيتساوى مع عدد العلمانيين عام 2059، ما يستدعي تدخل الحكومة لوضع ترتيبات خاصة تضمن تغيير الوضع القائم الذي يعفي الشباب «الحريديم» (الذين يلبسون اللباس الأسود ويطلقون اللحى والسوالف) من الخدمة العسكرية الإلزامية بداعي التحاقهم بالمدارس الدينية التي تموّلها خزينة الدولة العبرية، ما يتسبب في عدم التحاق 60 في المئة منهم بسوق العمل. ويرى التقرير الذي أجراه الباحث في وزارة المال أساف غيفع أنه حيال التكاثر الطبيعي الكبير في أوساط «الحريديم» (أكثر من 3 في المئة وضعفي المعدل العام في إسرائيل) سيتضاعف عددهم الحالي (900 ألف) مرتين على الأقل خلال السنوات العشر المقبلة، ويتساوى مع العلمانيين بعد 45 عاماً. وطرح الباحث مشكلتين رئيسيتين ناجمتين عن هذا التكاثر تؤثران في «مستقبل الدولة»، الأول من الناحية العسكرية، والثاني من الناحية الاقتصادية. وإذ يبدو أن إرغام الشبان «الحريديم» على الخدمة العسكرية أسوة بسائر اليهود، ليس وارداً في المستقبل المنظور طالما أن أحزابهم تشارك في الحكومات وتجهض أي اقتراح للتجنيد، طُرح في الفترة الأخيرة التأثير الاقتصادي لهذا التكاثر الطبيعي في حال لم تتغير نسبة الرجال «الحريديم» الذين لا يلتحقون بسوق العمل، ما يعني أن يتحمل العبء الاقتصادي نصف سكان الدولة (العلمانيون والعرب). وأكد الباحث غيفع أنه في حال بقيت نسبة الرجال «الحريديم» الذين يعملون على حالها، فإن إسرائيل ستدخل خلال عقدين أزمة اقتصادية حقيقية ستتفاقم أكثر مع مرور الوقت. كما أشار إلى حقيقة أنه ليس سهلاً تأهيل «الحريديم» للالتحاق بسوق العمل إذا لم يتم تغيير المناهج الدراسية في أوساطهم وعدم تلقيهم خلال دراستهم الابتدائية والثانوية دروساً في الرياضيات والمواضيع العلمية واللغة الإنكليزية. ويعارض الحاخامات المتشددون أي تغيير في نمط حياة «الحريديم»، لكن تقارير صحافية تفيد بأن نفوذ الحاخامات آخذ في التراجع بعض الشيء، خصوصاً لدى شريحة الشباب الصغار الذين يطالبون بالانفتاح نحو التكنولوجيا والعصرنة، وباتوا يدركون أهمية دراسة المواضيع الجوهرية في المدارس ليتمكنوا من الانخراط في سوق العمل لاحقاً، كي لا تبقى الدورات التي تعدهم لاحقاً لسوق العمل محصورة في قيادة حافلات أو الحراسة أو أعمال بسيطة لا تدر راتباً يمكّنهم من إعالة أسرهم الكثيرة الأولاد. وخلص الباحث إلى القول أن الارتفاع المتواصل لعدد «الحريديم» بات حقيقة ناجزة لا يمكن الدخول فيه لأسباب دينية قد تتسبب في ثورة الحاخامات ومؤيديهم، «وعليه يبقى السؤال: أي نوع من الحريديم سيكون في إسرائيل بعد عقد أو اثنين؟ هل حريديم يواصلون درب الحاليين ويقبعون في المؤسسات الدينية ويأتمرون بتعليمات الحاخامات ويشكلون عبئاً اقتصادياً على الدولة، أم ينشأ جيل جديد منفتح على التكنولوجيا وتطور العصر؟».