قد لا يكون موضوع (الحريديم) من المواضيع المألوفة للقارئ العربي .. إلا أننا سنحاول أن نلقي بعض الضوء على هذا الجانب الذي لا يجدر بنا إلا أن نكون مطلعين عليه .. يخيل للناظر للمجتمع الصهيوني في دولة إسرائيل أنه وحدة صماء لا تباين ولا اختلاف بين مكوناته .. وقد يدعم هذه الفكرة الانسجام والإنجازات المذهلة على الصعيد العسكري، إلا أنه في الحقيقة كفسيفساء مكونة من مجموعات عرقية وأيديولوجية ودينية تجمع في ما بينها الكثير من التناقضات والتباينات في الفكر والهدف والوسيلة، فلكل منها قناة ضغط خاصة بها لتحقيق مصالحها .. تتعارك في ما بينها في جهات معينة، وتتوافق في جهات أخرى لتنجح في النهاية في الحفاظ على التنوع والصراع ضمن الوحدة .. فبقاء الوحدة شرط لبقاء الأجزاء ... من هم الحريديون؟ الحريدي: وجمعها حريديم بالعبرية (من الورع والتقى)، هو تيار في الأصولية اليهودية متعددة الأجنحة والفرق، يجمع في ما بينها الادعاء بالتمسك بالموروث اليهودي من توراة وتلمود وما أثر عن الصالحين. أعدادهم تقدر ما بين 400 ألف إلى 450 ألفا، ولهم تمثيل سياسي يفوق النسبة السكانية التي تمثلهم .. ولأسباب تتعلق بفهمهم لحقيقة اليهودية يرفضون النظرية الصهيونية باعتبارها علمانية وتروج لقيم الغير من الغرب، ولا تتخذ من التوراة مرجعا تشريعيا لها وبالتالي تبعد الصهيونية اليهودي عن رضا الرب .. ومع ذلك فهم أكثر تطرفا من اليمين المتطرف. ويمكن تلخيص علاقة الحريديين بالدولة، بهذا المثال الذي يعرفه كل حريدي: «كانت فتاة في بلاد القوقاز تبيع تفاحا، فجاء قوقازي شرير ورمى بضاعتها إلى الأرض. أخذ المارة يلتقطون التفاح، فيما هي واقفة تصرخ، فقال لها أحدهم: لماذا تبكين؟ خذي لك بعض التفاح!»، فالدولة من المنظور الحريدي ذلك القوقازي الشرير فيما هم يمثلون الفتاة المضطهدة!، فكل ما يحصلون عليه من الدولة هو في الأساس لهم، لأنهم هم الممثلون الحقيقيون لليهود. ولنفس الأسباب التي يرفضون بها الصهيونية فهم يرفضون الديمقراطية العلمانية ويزدرونها ويعلنون تمردهم الفعلي على القوانين وعلى تشريعات المحكمة العليا. فقضاتها، بنظرهم، هم مجموعة من الجهلة والعصاة والزناة المرقة منتهكي السبت. أما سبب رفض العلمانيين لهم فيتلخص في تضاعف أعداد الحريديين المعفيين من الخدمة العسكرية في الجيش بحجة انخراطهم في المدارس الدينية، (يبلغ عددهم أكثر من 41000 طالب)، فيوصف الحريدي بأن (مهنته توراته) .. وما يترتب على ذلك من زيادة المخصصات المالية التي تصرفها الحكومة على هؤلاء الطلاب، حيث يمنع القانون في الدولة من الانخراط في أي عمل قبل أداء الخدمة العسكرية. وبالتالي يتوجب على الحكومة أن تتكفل بصرف الرواتب لهؤلاء الطلاب حتى ينهوا هذه الدراسة (تتقاضى 32 مدرسة وهمية يفترض أنها تضم 4500 طالب حوالي 35 مليون شيكل في السنة تذهب لأحد قادتهم الدينيين!) .. ولا تتوقف المشكلة هنا، فهؤلاء الطلاب يعملون في بعض المهن بشكل سري مما يعد خرقا للقانون حتى لا يدفعوا ضرائب الدخل للدولة. وبالتالي فهم متهربون من الخدمة بحجة الدراسة بالرغم من أن غالبيتهم يتسربون منها و ينغمسون في الجريمة .. وينهكون ميزانية الدولة بصرف رواتبهم .. ويعملون بشكل غير قانوني .. ولا يدفعون ضريبة الدخل .. ورغم هذه الميزات يظل الحريدي مزدريا للقانون وللدولة.