ثمة قناعة عامة لدى أكراد سورية بأن ما يجري في المنطقة من حروب وتطورات دراماتيكية سيغير من خريطتها الجيوسياسية لمصلحة الهوية القومية الكردية، ومع هذه القناعة باتوا يرون أنهم أمام فرصة تاريخية لنيل حقوقهم القومية بعد عقود من الإقصاء والتهميش، وعليه بادر بعضهم إلى إعلان الإدارة الذاتية (حزب الاتحاد الديموقراطي) فيما طرحت أحزاب كردية أخرى الفيديرالية، لكن الصعود الكردي هذا على وقع الحرب ضد داعش وتحقيق انتصارات عليه في كوباني– عين العرب وتل أبيض، لم يكن سهلاً، خصوصاً أنهم يفتقرون إلى مرجعية سياسية واحدة لجهة تحديد السياسات والمواقف والخطاب السياسي، وبالتالي كيفية التعاطي مع الأنظمة وسياسات الدول المعنية بالتطورات في المنطقة. من أهم التحديات التي يواجهها أكراد سورية، كيفية التوفيق بين مطالبهم القومية والهوية الوطنية السورية، فضلاً عن الهواجس الإقليمية وتحديداً تركيا التي لها حساسية كبيرة تجاه أي تطور كردي في المنطقة، لا سيما إذا كان من يقف وراء هذا التطور هو حزب العمال الكردستاني. وفي تطلع أكراد سورية إلى نيل حقوقهم القومية والاعتراف بهم كمكون قومي في الدستور، ثمة إشكاليات تتعلق بالخلط الذي ظهر في الخطاب السياسي الكردي، بين التطلع إلى الحرية والديموقراطية وبين المطالبة بالحقوق القومية، إذ يبدو مجمل الحراك الكردي الجاري قومياً لا أكثر في نظر النظام والقوى المطالبة بإسقاطه معاً، وهو ما أدى إلى بروز مخاوف لدى الطرفين إزاء المطالب القومية الكردية، وهذه إشكالية سياسية وفكرية معاً، فالأكراد يرون أن لا حرية حقيقية لهم من دون الاعتراف بحقوقهم القومية، فيما النظام والقوى السياسية الأخرى ولا سيما القومية والدينية تنظر إلى الأمر في إطار المواطنة والتنمية لا أكثر. أبعد من معادلة النظام والقوى المطالبة بإسقاطه، يجد أكراد سورية أنفسهم أمام ثلاثة أطراف مهمة معنية بشأنهم، وهي: 1- روسيا: لا يخفى انه بعد التدخل العسكري الروسي في سورية، ثمة غزل روسي لأكراد سورية، خصوصاً لوحدات حماية الشعب التي تسيطر على الأرض في المناطق الكردية، وكان هذا الأمر واضحاً في خطاب الرئيس فلاديمير بوتين أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، وكذلك حديث وزير الخارجية سيرغي لافروف بأن الأكراد يشاركون في غرف عمليات التحالف الرباعي وأنه تم تزويدهم بأسلحة من دون تحديد من هم الأكراد الذين تم تزويدهم، هل هم أكراد سورية أم إقليم كردستان، وسط تكتم من الطرف أو الأطراف الكردية على هذا الأمر. لكن الثابت أن الأكراد في المنطقة عموماً لا يثقون بسياسة روسيا تجاههم، ففي الذاكرة الكردية تجربة تخلي الاتحاد السوفياتي عن جمهورية مهاباد الكردية عام 1946، وكذلك رفض موسكو إعطاء اللجوء السياسي لزعيم حزب العمال الكردستاني عبدالله أوجلان عام 1998 على رغم موافقة مجلس الدوما، مما اضطره إلى مغادرة روسيا قبل أن يتم اعتقاله في كينيا، وأبعد من هذه التجربة السلبية للعلاقة الكردية- الروسية، كيف للأكراد أن يوفقوا بين تحالفهم مع التحالف الدولي بقيادة الولاياتالمتحدةوروسيا؟ 2- الولاياتالمتحدة: من الواضح أن علاقة أكراد سورية بالولاياتالمتحدة تطورت كثيراً خلال معركة كوباني– عين العرب، إذ بدت وكأنها معركة مشتركة للطرفين ضد داعش، فواشنطن تدرك أهمية المقاتلين الأكراد على الأرض بغياب قوى أخرى فعالة بهذا الخصوص، فيما أكراد سورية يبحثون عن أي حليف يساعدهم عسكرياً لحماية مناطقهم وسياسياً لنيل الاعتراف بهم وديبلوماسياً لحمايتهم من ضغوط السياسة التركية الرافضة لأي شكل من أشكال الكيان الكردي في سورية. الثابت هنا أن التحالف الكردي– الأميركي يرسم خطواته بقوة على الأرض من خلال التنسيق وغرف العمليات العسكرية والأمنية في إقليم كردستان العراق والدعم الأميركي المتواصل لوحدات حماية الشعب، على رغم اعتراض تركيا وإصرارها على تصنيف حزب الاتحاد الديمقراطي في قائمة الإرهاب. 3- تركيا: لم تكن دعوة وزير الخارجية التركي فريدون سينير أوغلو على الهواء مباشرة (جاء ذلك خلال المؤتمر الصحافي المشترك مع نظيره السعودي في أنقرة في 15 الشهر الجاري) رئيس حزب الاتحاد الديموقراطي الكردي صالح مسلم إلى التعقل إلا تعبيراً عن بلوغ العلاقة التركية بأكراد سورية وتحديداً حزب الاتحاد الديموقراطي بجناحيه السياسي والعسكري مرحلة حساسة وحرجة، فتركيا ترى أن الحزب المذكور مستفيداً من الدعم الدولي وتحت عنوان الحرب على داعش بات يسيطر على مناطق واسعة من شمال سورية وشرقها ويخطط للتوسع أكثر نحو جرابلس ومارع، استعداداً لإقامة إقليم كردي يمتد من قنديل إلى عفرين مروراً بمدن القامشلي والحسكة وتل أبيض وكوباني. وفي العمق ترى تركيا أن هذا المشروع هو مشروع عدوها اللدود حزب العمال الكردستاني الذي يخطط لإقامة حكم ذاتي في جنوب شرقي تركيا، حيث الحرب المستعرة بين الجانبين. في ظل الهواجس التركية من الصعود الكردي على حدودها الجنوبية باتت أنقرة ترى مشكلتها الأساسية في سياسة الإدارة الأميركية إزاء حزب الاتحاد الديموقراطي، فهذه الإدارة رفضت مراراً طلب تركيا اعتبار الحزب المذكور إرهابياً، على اعتبار انه الفرع السوري لحزب العمال الكردستاني المصنف في قائمة الإرهاب الأميركية، فيما تقول واشنطن إن الحزب المذكور هو أكثر القوى فعالية على الأرض في محاربة داعش، وينبغي التمييز بينه وبين حزب العمال الكردستاني، إلا أن تركيا لا تبدو مقتنعة بالموقف الأميركي ولديها قناعة كبيرة بأن الأسلحة التي تصل إلى حزب الاتحاد الديموقراطي يتم تسريب بعضها إلى حزب العمال الكردستاني. لعل ما سبق يشير إلى مسألتين مهمتين، الأولى: أهمية تعاظم موقع الأكراد ودورهم في حسابات الحرب ضد داعش والأزمة السورية. والثانية: افتقار الأكراد إلى مرجعية سياسية تحدد استراتيجية واضحة في شأن كيفية التعاطي مع انفتاح المحافل السياسية الإقليمية والدولية على قضيتهم. * كاتب سوري