سعدت الأسبوع قبل الماضي بالجلسات التي عقدت لمناقشة أبحاث تضمنت قضايا تهم المجتمع، وكان أحد الأبحاث المناقشة بحث للشيخ الدكتورعبدالله المطلق بعنوان (زواج الصغار) وتكلم فيه عن حكم تزويج الصغار ذكوراً وإناثاً، ودار في ذهني أثناء استعراضه حادثة فتاة بريدة، والمطالبة الملحة من بعض الأفراد بتحديد سن للزواج، وسأشارك القارئ في ما يختص بالفتاة. لقد أشار بحث الشيخ في طليعته إلى جواز تزويج الأب ابنته الصغيرة من غير حاجة إلى استئذانها إذا زوجها من كفء ونقل قول ابن المنذر والمروزي وابن عبدالبر في إجماع العلماء على ذلك، واستدل بمجموعة من الأدلة منها قوله تعالى (وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِن نِّسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ) إذ جعل الله عدة اللاتي لم يحضن وهن الصغيرات دون البلوغ ثلاثة أشهر، ولاتكون العدة ثلاثة أشهر إلا من طلاق في نكاح أو فسخ فدل ذلك على أنها تزوج وتطلق ولا إذن لها معتبر، واستدل بالحديث الذي أخرجه الشيخان حول زواج رسول الله صلى الله عليه وسلم بعائشة وهي بنت سبع سنين وبنى بها وعمرها تسع، وأورد أدلة عن السلف كان فيها تزويج الأب لصغيرته من دون اعتبار إذنها كتزويج علي بن أبي طالب ابنته أم كلثوم لعمر بن الخطاب رضوان الله عليهم أمام الصحابة، ولم ينكر أحد هذا الزواج أويقول ببطلانه. ثم استعرض الشيخ القول الثاني في المسألة وهو عدم جواز تزويج الصغيرة وإلى هذا ذهب ابن شبرمة وهو مذهب أبو بكر بن الأصم، واستدل أصحاب هذا القول بقوله تعالى (وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح) قالوا: لو جاز التزويج قبل البلوغ لم يكن لهذا التحديد فائدة، وقالوا: ولأن مقصود النكاح طبعاً هو قضاء الشهوة وشرعاً النسل والصغر ينافيهما، ورأوا أن تزويج أبي بكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم من خصوصياته صلى الله عليه وسلم، ثم مال الشيخ حفظه الله إلى ترجيح رأي الجمهور. وأشار البحث إلى ملاحظ مهمة، وهي شروط الفقهاء التي أوردوها في تزويج الصغيرة: أولاً: أن يتوافر في العقد شروط النكاح الصحيح، وللفقهاء تفاصيل في ذلك ومما ذكروه أنه يشترط لصحة الإجبار واعتباره شرعاً أن تزوج من كفء، وبمهر المثل، وألا يكون الزواج معسراً، وألا يزوجها بمن تتضرر بمعاشرته كمريض بمرض مزمن أو شيخ هرم. ثانياً: أن تكون هناك مصلحة وحاجة يُخشى فواتها: وذلك كالظفر بكفء يخشى فواته من الطرفين كزواج النبي صلى الله عليه وسلم بعائشة، وكما في قصة عمر بن الخطاب حين تزوج أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب. ثالثاً: ألا يترتب على العقد مباشرة مضرة، ودليله حديث عائشة الذي صرح بزواج رسول الله بها وهي بنت (ست) وفي رواية (سبع) ولم تزف إليه إلا بعد أن بلغت تسع سنين بعد أن سمنوها فسمنت، وقد جاء عنها رضي الله عنها أن المرأة إذا بلغت تسع سنين كانت امرأة كما أخرج البيهقي عنها. وقد ختم الشيخ بحثه بأن لولي الأمر أن يقيد المباح من باب السياسة الشرعية، وله أن يلزم بأحد أقوال الفقهاء في مسائل الاجتهاد إذا كان في ذلك تحقيق للمصالح الدينية والدنيوية، وله أن يمنع المباح للعلة ذاتها كما هو الحال في منع ولي الأمر الزواج من الأجنبيات في الجملة، وأوضح الشيخ أن رأيه يرجح منع ولي الأمر الزواج إذا كان أحد طرفيه صغيراً وترجحت عنده المصلحة في ذلك، وأن يقيد سن الزواج بما بعد البلوغ . وبعد قراءة سريعة في بحث الشيخ القيم يخلص القارئ إلى أن الإسلام لم يجز النكاح بين الصغار إلا في حالات ضيقة جداً، وأن الولي الذي يجوز له تزويج الصغيرة هو الأب فقط، ولا عبرة بعدم إذنها إذا زوجها من كفء يسعدها وخاف فواته، فكان في تزويجها مصلحة راجحة اقتداء بتزويج أبي بكر لرسول الله، كما يشترط قدرة الفتاة الجسدية والنفسية والاجتماعية على تحمل الحياة الزوجية، والذي يشهد بهذه القدرة أهل اختصاص من أهل الطب والنفس والاجتماع. والذي أحب أن أختم به أن المشكلة في الزواج تكمن في غياب الولي العادل الذي يتقي الله في من ولاه الله، فمتى وُجد هذا الولي لن نعيش مشكلة في الزواج. * داعية، وأكاديمية سعودية. [email protected]