لندن، فيينا، بيروت - «الحياة»، رويترز، أ ف ب - رحبت موسكووطهران بالاجتماع الوزاري في فيينا الخاص بالأزمة السورية يوم أمس، واعتبرته «حدثاً تاريخياً، أحدث قفزة نوعية على مسار تسوية الأزمة السورية»، وأعلنت موسكو الاستعداد لضم ممثلين من «الجيش السوري الحر» إن وجدوا، مجددة التأكيد على مواقفها السابقة حول ضرورة ان تسبق العملية السياسية «نجاحات ملموسة ضد الإرهاب»، في وقت أكدت مصادر ان دولاً اقليمية تمسكت خلال الاجتماع بتحديد موعد لرحيل الرئيس بشار الأسد. والتقى ممثلو ووزراء 17 دولة بينها الولاياتالمتحدةوروسياوإيران والسعودية في فيينا في محادثات غير مسبوقة سعياً للتوصل الى حل سياسي للنزاع الذي يمزق سورية منذ العام 2011. وسورية غير ممثلة في المفاوضات التي شارك فيها ايضاً العراق والأردن ومصر ولبنان والامارات العربية والمتحدة وعمان وتركيا وايطاليا والمانيا وفرنسا وبريطانيا والصين الى جانب مشاركة الاتحاد الاوروبي والاممالمتحدة. والاجتماع الذي افتتح عند العاشرة بالتوقيت المحلي (09.00 تغ) واصل اعماله بعد الظهر الأمر الذي اعتبرته بعض الوفود بأنه إشارة جيدة. ويعتبر الاجتماع اول خطوة مهمة سعياً الى تسوية سياسية للنزاع وحل الخلافات العميقة حول مصير الأسد. وجلس وزير الخارجية الأميركي جون كيري على رأس طاولة الاجتماع الأول الذي يشارك فيه كبار اللاعبين الرئيسيين في النزاع. من جهته، اتخذ وزير الخارجية السعودي عادل الجبير مكاناً ابعد ما يمكن عن مقعد وزير الخارجية الايراني محمد جواد ظريف في قاعة الاجتماعات في فندق امبريال. وتتمثل غالبية الدول بوزراء الخارجية باستثناء الصين التي أوفدت نائب وزير الخارجية لي باودونغ في حين يمثل الاممالمتحدة مبعوثها الخاص الى سورية ستيفان دي مستورا. وقال وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس: «يجب أن تكون الاولوية لمكافحة أكثر فعالية للإرهابيين» في تنظيم «داعش» و «جبهة النصرة». وأضاف لدى وصوله الى مكان الاجتماع: «ثم لا بد من تنظيم عملية الانتقال السياسي (...) لا يمكن للاسد، المسؤول عن جزء كبير من المأساة السورية، ان يكون مستقبل سورية». يذكر ان الحكومة السورية والمعارضة غير ممثلتين في الاجتماع. وأعرب مسؤولون أميركيون تدعم بلادهم جنباً إلى جنب مع حلفائها العرب والأتراك المعارضة، عن الأمل بحذر من أن يتفق المشاركون على الخطوط العريضة لانتقال من شأنه أن يؤدي في نهاية المطاف الى تنحي الأسد. بدوره، عبّر كيري عن وجود أمل حيال المحادثات لكنه حذر من توقع حل فوري. وقال قبيل الاجتماع: «لدي أمال لا أصفها بالتفاؤل. آمل في ان نتمكن من التوصل الى طريقة للمضي قدماً. انه أمر صعب». لكن الناطق باسم الكرملين ديمتري بيسكوف خفف من ذلك، قائلاً ان «التوصل الى تسوية سياسية سيكون امراً صعباً طالما لم يتم توجيه ضربات مؤلمة للجماعات المتطرفة والإرهابية». وروسيا التي تشن منذ شهر غارات جوية مكثفة ضد المسلحين المعارضين للاسد و «داعش»، تحض أيضاً على التحضير لانتخابات برلمانية ورئاسية في سورية. لكن تم رفض الفكرة من قبل المعارضة التي تقول ان اجراء انتخابات سيكون مستحيلاً في ظل الظروف الراهنة، مع الملايين من النازحين السوريين والمدن المهدمة وسيطرة الارهابيين والجماعات المسلحة الأخرى على ثلثي مساحة البلاد. وينظر الى جلوس إيران والسعودية على طاولة واحدة على انه تقدم. وأكد وزير الخارجية السعودي عادل الجبير، في مقابلة مع هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي)، ان الرياض تتمسك برأيها بأن الأسد يجب ان يتنحى عن منصبه بسرعة. وأضاف: «سيغادر إما من خلال عملية سياسية او سيتم خلعه بالقوة». لكن روسياوإيران اوضحتا ايضاً أن للاسد الحق في لعب دور في المرحلة الانتقالية والمشاركة في حكومة وحدة وفي الانتخابات في وقت لاحق. ويتهم الغرب روسيا بتركيز الحملة الجوية في سورية على جماعات المعارضة المعتدلة على رغم تأكيد موسكو انها تركز على هزيمة تنظيم «داعش» ومنظمات «إرهابية» أخرى. وكانت ايران لمّحت الى انها تفضل فترة انتقالية في سورية مدتها ستة أشهر تعقبها انتخابات لتحديد مصير الأسد في تنازل. وعلى رغم أن مصادر وصفت الاقتراح بأنه يرقى إلى حد تنازل طهران عن التمسك ببقاء الأسد في السلطة فإنه ليس من الواضح على الفور إن كان المقترح سيتضمن فعلياً تحركات لإبعاده. ونسبت وسائل إعلام إيرانية إلى أمير عبد اللهيان نائب وزير الخارجية الإيراني وعضو الوفد الإيراني في المحادثات في شأن سورية قوله الجمعة «إيران لا تصر على بقاء الأسد في السلطة للأبد». وقال مسؤول كبير من الشرق الأوسط مطلع على الموقف الإيراني إن الأمر قد يصل إلى حد الكف عن دعم الأسد بعد المرحلة الانتقالية. وقال المسؤول ل «رويترز»: «المحادثات تدور كلها عن الحلول الوسط وإيران مستعدة للتوصل لحل وسط بقبول بقاء الأسد ستة أشهر... بالطبع سيرجع تحديد مصير البلاد للشعب السوري». لكن مسؤولاً ايرانياً قال في طهران ان بلاده ترحب بنتائج الاجتماع التي ادت الي الاتفاق علي اجراء حوار سوري - سوري. وقال هذا المصدر في حديث له مع «الحياة» أن إفساح المجال امام مثل هذا الحوار سيشكل نقلة نوعية في مسار الأزمة السورية خصوصاً أن هناك تطورات متعددة علي صعيد مواقف جميع الدول المشاركة. ونفي عبد اللهيان التصريحات التي نقلت علي لسانه في شأن الموافقة علي استبعاد الاسد. لكن المصادر الايرانية قالت ان موقف ايران بهذا الشأن يعتمد علي مواقف الأطراف الأخري ومدي اهتمامها بدعم الحوار السوري - السوري الذي يسمح للسوريين التوصل الي حل لأزمة بلدهم. ودعا المعارضة السورية الي استغلال الأجواء الحالية والاستفادة من تجارب الماضي من أجل التوصل الى حل سياسي بعدما وصلت تصورات الحل العسكري الي طريق مسدود وأدت الي دمار كبير لحق بمرافق الحياة الاقتصادية والحياتية للمواطنيين السوريين، معرباً عن استعداد طهران لتقديم المساعدات اللازمة من اجل دفع الحوار السوري - السوري بما يحقق مصالح الشعب السوري في الديموقراطية وتبادل السلطة. وأعرب عن استعداد طهران للحوار مع المعارضة السورية اياً كان لونها من أجل مساعدتها لتخطي المرحلة الانتقالية. وأضافت المصادر ان المعارضة «مدعوة لفتح صفحة جديدة مع جميع الأطراف المعنية بالأزمة السورية وتستطيع اختبار الجانب الايراني اذا كانت جادة في توجهها للتوصل الي حل سياسي مع الحكومة السورية الحالية». قائمة من 38 شخصاً من جهته، قال نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي ريابكوف ان موسكو وواشنطن «تختلفان جوهرياً» في شأن القضية السورية. وأضاف لوكالة «انترفاكس» ان «استخدام القوة بأي شكل من الأشكال في سورية من دون موافقة الحكومة الشرعية في هذا البلد لن يكون مقبولاً بالنسبة إلينا». وأعلن نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف أن بلاده قدمت خلال «لقاء الرباعية» الذي سبق الاجتماع الموسع امس، في فيينا لائحة بأسماء ممثلي المعارضة «الذين يمكن دعوتهم الى لقاءات سورية - سورية» ضمت 38 شخصاً. وجدد بوغدانوف أمل بلاده في ان يسفر «الحدث التاريخي الذي أحدث قفزة على صعيد التسوية السياسية في سورية» عن تقدم من خلال التوسيع الذي سمح لكل الأطراف المعنية بتحقيق السلام في سورية من المشاركة، وقال ان موسكو بذلت جهوداً لضم الصين الى هذا الاجتماع. وقال بوغدانوف أن روسيا تدعم فكرة مشاركة ممثلي «الجيش السوري الحر» في المحادثات في شأن التسوية السورية، مستدركاً: «نحن بصراحة لا نعرف ممن تتكون قيادة «الجيش السوري الحر» وفي شكل عام، نحن نؤيد مشاركتهم كهيكل. اما من سيمثله، حتى الأن غير واضح جيداً بالنسبة الينا». مشيراً الى انه اجرى مشاورات مع «شخصيات أكدت أنها تمثل هذا الجيش، وبينها مصطفى المصري، بينما أخذت أطراف أخرى تنفي انتماء الشخصيات التي التقيناها إلى هذا الجيش، وتؤكد أنها هي التي تمثله» مؤكداً ان موسكو «مستعدة للحوار مع «الجيش الحر» إن وجد». وقال إن المسألة الكردية لم تناقش أثناء اجتماع «الرباعية الوزارية» وأن روسيا تدعو إلى ضرورة مشاركة ممثلين عن الأكراد في المفاوضات السورية. ولفت بوغدانوف الى «عدد من النقاط العامة المتفق عليها وتستند إلى بيان جنيف» بينما «تتطلب بعض القضايا الجوهرية التدقيق والبحث من قبل السوريين أنفسهم»، وقال ان ثمة اتفاقاً بين الأطراف المشاركة على تبادل قوائم بالجماعات الإرهابية، والفصائل المعارضة التي ستنخرط بالعملية السياسية. لافتاً الى أن الجانب الروسي أعد قائمة تشمل الفصائل التي تعتبرها موسكو إرهابية. وأكد أن دور اللاعبين الخارجيين في الأزمة السورية لا بد أن يقتصر على تهيئة الظروف الملائمة للسوريين في مفاوضاتهم بين الحكومة والفصائل المعارضة. وجدد التأكيد على أن «الأهداف العامة يوجد إجماع عليها، وفي مقدمها مكافحة الإرهاب، والتحول السياسي على أن تبقى سورية بلداً علمانياً يحفظ حقوق جميع الإثنيات والطوائف». وزاد ان «تحقيق هذه الأهداف يتطلب إصلاحات دستورية، وتحديد مستقبل البرلمان ورئيس الجمهورية والأطر الزمنية». وشدد على أن بيان جنيف، ورقة اعتمدتها جميع الأطراف المعنية ولا تقبل أي تأويل وأنه لا يحق المساس بها إلا من قبل السوريين أنفسهم وعلى أساس توافقي يتجسد في خريطة طريق للتسوية. في غضون ذلك، أعاد الكرملين التأكيد على مواقفه بالتزامن مع اللقاء الموسع في فيينا، وأعلن بيسكوف أن موعد انتهاء العملية الجوية الروسية في سورية يتوقف على الوضع في مجال مكافحة الإرهاب في هذا البلد، موضحاً ان العمليات الروسية «تنفذ دعماً للأنشطة الهجومية للقوات المسلحة السورية ضد التنظيمات الإرهابية ومن الطبيعي ان مدتها الزمنية مرتبطة بتحقيق تقدم». وأكد بيسكوف مجدداً أن «أي تسوية في سورية من الصعب تحقيقها ما لم توجه ضربة ملموسة إلى قوى التطرف والإرهاب». كما قال إن الشعب السوري «وحده من يقرر المستقبل السياسي للأسد»، مشيراً إلى أن لقاء فيينا «يبحث قضايا التسوية السورية وليس مصير الأسد». وأضاف أن كل الأطراف تدرك عدم وجود بديل لضرورة تسوية الأزمة في سورية سياسياً.