تفاصيل الأزمة الأوكرانية وتداعياتها على صعيد العلاقات الغربية مع موسكو أضحت معروفة. أهميّة أوكرانيا بالنسبة الى روسيا، على مُختلف الصُعد (جغرافياً، عسكرياً وصناعياً) وتوق الأوكرانيين للانضمام الى الاتحاد الأوروبي لم يعُد أمراً خافياً. مئات المقالات كُتبت لحينه، حول الموضوع، فلا داعي إذاً للتكرارّ. لذلك، أود التعليق على جانبٍ آخر، ألاّ وهو أوجه الشبه بين «الفوقية» الروسية تجاه أوكرانيا والقرم ضمناً، والفوقية السورية، أو نظام الأسدين الأب والابن، مع لبنان، مقترحاً على القيصر الروسي أن يستفيد من تجارب حلفائه في سيطرتهم على بلاد الأرز! إنّه قدر البلدان الصغيرة التي تغدو أسيرة أطماع وسيطرة، الدولة الكبيرة المُتاخمة لها. نبدأ بالخبر الذي أذاعته موسكو: «وافق مجلس الاتحاد الروسي على طلب الرئيس فلاديمير بوتين باستخدام القوات المسلحة في أوكرانيا «حتى عودة الاستقرار السياسي والاجتماعي الى هذا البلد». يُذكرني ما سبّق بمبرّرات الدخول العسكري السوري الى لبنان منتصف السبعينات، والذي لن يقتصر على إعادة الاستقرار، بل الى القضم السياسي، والاقتصادي، والدفع بجماعات سياسية محليّة وحثّها للمُطالبة ببقاء القوات السورية الى أبد الآبدين. كي لا ننسى العمل على التفرقة لتعزيز السيطرة على البلاد والعباد. وأميل الى الاعتقاد أن بوتين أخطأ في غزوه جزيرة القرم وتهديده بغزو أوكرانيا. لذلك، ينبغي نصحه بأن ينهل من تجربة الأسد الأب، في قضمه بلد الأرز، بنعومة وهدوء، من دون أن يُثير غضب الآخرين. مثال ذلك، أن يعقد أولاً مع جزيرة القرم ولاحقاً مع أوكرانيا، معاهدة صداقة وتعاون شبيهة بمعاهدة الصداقة والتعاون اللبنانية السورية، التي فرضها الأسد على لبنان. ثانياً حثّ أبواق محلية في القرم ولاحقاً في أوكرانيا على الاستمرار بالقول أنّ وجود الجيش الروسي هو وجود شرعي وموقت! ثالثاً، العمل على إيجاد الفرقة بين اهل القرم وبين الأوكرانيين أنفسهم. رابعاً، القضاء على أي توجه إلى الاستقلال من بعض الجماعات المحلية. وفي هذا الصدّد، فالاستفادة من خبرة رستم غزاله وقبله غازي كنعان (انتحر، أم نُحر؟!) ضرورية. وبما أنّ الشيء بالشيء يُذكر، فها هو برلمان القرم (الصحف، 7/3/2014) يُطالب بوتين بإلحاق شبه الجزيرة بروسيا وينظم استفتاء يؤدي إلى ذلك. ولا عجب إذ ذاك أن يرُد بوتين على أيّ انتقاد لمطالب برلمان القرم بأنّ شعب القرم وروسيا، شعب واحد بدولتين! هذا الشعار الذي يُذّكرنا بشعارٍ آخر أذاق اللبنانيين المرّ والعلقم! لو حذا الرئيس الروسي حذو الرئيس السوري الراحل في قضمه لبنان، لكان بإمكانه السيطرة على القرم وحتى أوكرانيا من دون أن يبدو الأمرّ وكانّه احتلالاً أو يُثير زوبعةً هو في غنى عنها. وكان الأمر يتطلب وقتاً طويلاً، قبل أن تنهض قوى محليّة تُطالب بالانسحاب الروسي من القرم وأوكرانيا، فيضّطر، القيصر الروسي الى إجراءات أمنية أخرى، كالإيعاز باغتيال بعض القيادات الوطنية البارزة. لكنّه في حال اضطراره الى الانسحاب العسكري في نهاية الأمر، فالمتوجب عليه أن يضمن وجود جماعات موالية له تُطالب ببقائه، وتنظم مهرجاناً ضخماً، يُقال فيه: شكراً، روسيا! * كاتب لبناني