إنّ تقديم سلسلة تلفزيونية تعرض سير شخصيات نسائية أثرّت في التاريخ المغربي، هو عمل ثقافي جدير بالتقدير والمتابعة، ذلك أنه عمل توثيقي يمكّن المشاهدين على تنوع معارفهم من الإطلاع على تاريخ الشخصيات المتحدث عنها، والمساهمات الإنسانية القوية التي قدمتها. وهذا ما اشتغلت عليه «القناة المغربية الثانية» من خلال سلسلة تلفزيونية ووثائقية جديدة من عشر حلقات حملت عنوان «10 نساء من تاريخنا». تتمحور كل حلقة منها حول شخصية نسائية عرفها التاريخ المغربي، وطبعت مساره الغني والمتنوع ببصمتها الخاصة. وتأتي الإضاءة على الشخصيات النسائية تحديداً بغية إنصافهن بعد إجحاف طويل تجاههن. يعتمد الوثائقي على ما يُحكى عنهن، أي من المرويات الشفهية المحفوظة في الذاكرة، أو مما كُتب عنهن وما بقي مسجلاً في التاريخ. أما بطلات الوثائقي فهنّ: كليوباترا سيليني، والكاهنة، كنزة بنت أوروبة، فاطمة الفهرية، زينب النفزاوية، حفصة بنت الحاج، السيدة الحرة، خناتة بنت بكار، لالة رقية، مليكة الفاسية. تأتي هذه السلسة النسائية ضمن سلسة تلفزيونية وثائقية هي «قصص إنسانية»، تعرضها القناة الثانية مساء كل يوم أحد. وقد اعتمدت في تقديم هذه السير على أساليب فنية متنوعة، منها الصور المتحركة ومونولوغات تسمح للشخصية أن تقدّم نفسها بأسلوب مباشر يكسر أي حاجز بينها وبين المشاهد. وهنا تبرز الدقة في الاشتغال على هذا الوثائقي الذي يضع الشخصيات داخل الإطار الزمني الذي وُجدت فيه، وهذا ما تجلى في الحلقة الأولى عن «كليوباترا سيليني»، وهي ابنة كليوباترا (آخر ملكات مصر) والقائد الروماني مارك أنطوان، التي تزوجت من الملك الأمازيغي المعروف جوبا الثاني. وتولى إخراج هذه الحلقة كل من المخرجة ليلى التريكي والمخرج نبيل كمالي. ركزّت الحلقة على شخصية كليوباترا سيليني، التي تغوص في عمق التاريخ البعيد، منذ أن كانت طفلة في روما إلى أن أصبحت زوجة الملك الأمازيغي جوبا الثاني، مروراً بمقتل والديها وصولاً إلى وفاتها أثناء وضع طفلها الثاني بعد ولدها الأول، الذي أطلقت عليه اسم بطليموس تشبثاً منها بجذورها المصرية الفرعونية من جهة الأم. إنه مسار تاريخي غني بالاهتمام بالفنون والآداب والهندسة ومساعدة زوجها بأفكارها وتصوراتها، وأصبحت مدينة «سيزاري» التي عاشت فيها مع زوجها من أزهى المدن في ذلك العصر. وعلى رغم اعتماد الوثائقيات على اللهجة المغربية الدارجة، نلمس حرصاً على استعمال مصطلحات مفهومة تقترب من العربية الفصحى. وأضفت الإعلامية مريم زعيمي بصوتها الجميل في أداء الدبلجة شيئاً من التميّز على العمل.