قبل أيام قليلة، اتّجهت الأنظار إلى تركيا مع وقوع تفجيرين كبيرين وسط عاصمتها هما الأكثر دموية في تاريخها الحديث. وحينها، كانت أنقرة على مبعدة يومين من استقبال حشود كبيرة لوفود حكوميّة وغير حكوميّة تشارك في «الدورة 12 لمؤتمر الأطراف في اتفاق الأمم المتّحدة لمكافحة التصحّر» (UNCCD COP12). وعلى رغم إعلان الحكومة الحداد 3 أيام تضامناً مع ضحايا التفجيرين المذكورين، إلا أن الحياة تواصلت بوتيرة عاديّة خلال تلك الأيام الثلاثة. ولم يلاحظ تشديد للإجراءات الأمنيّة أو تكثيف لحضور عناصر الأمن في شوارع أنقرة، اللهم يوم السبت الذي شهد خروج مئات المتظاهرين مساءً إلى الشوارع احتجاجاً على التفجيرين. وجاء الهجومان في توقيت سياسي مشحون بالتوتر وتبادل الاتهامات بين الحكومة والمعارضة الكرديةّ على خلفية اقتراب الاستحقاقات التشريعيّة المبكّرة بداية تشرين الثاني(نوفمبر) المقبل. الإرهاب والمناخ لم يثنِ التوتر أطراف المؤتمر البيئي الأممي، عن القدوم إلى العاصمة التركيّة، والالتحاق بمركز المؤتمرات في الحي الإداري الواقع على بعد بضعة كيلومترات من مكان وقوع الحادثين في محطة القطارات الرئيسيّة. ولم تعلن الدول الأعضاء ال 195 المشارِكة في الاتفاقيّة، إلغاء أو تعليق مشاركة وفودها في المؤتمر الذي تستضيفه تركيا للمرّة الأولى بين (12 و23 تشرين أول- أكتوبر) الجاري. وفي صفوف الوكالات الإقليميّة والمنظمات الحكوميّة الدوليّة، علمت «الحياة» من منظّمي المؤتمر، أن وفداً من برنامج «نيباد» NEPAD («الشراكة الجديدة من أجل تنمية أفريقيا» The New Partnership for Africa's Development)، أعلن انسحابه من المؤتمر قبيل انعقاده. ويمثّل «نيباد» برنامجاً أقرّته دول «الاتحاد الأفريقي» في2001 للتخفيف من حدّة الفقر، وتعزيز النمو الاقتصادي والتنمية المستدامة في أفريقيا. والأرجح ألاّ يمرّ ذلك الغياب من دون لفت الانتباه، نظراً للاهتمام الفائق الذي توليه الدول الأفريقيّة للمؤتمر. ولا يستغرب ذلك الاهتمام، فحتى الاسم الكامل للمؤتمر يكفي للإيحاء بذلك، فهو مؤتمر مخصّص ل «اتفاقيّة الأمم المتّحدة لمكافحة التصحّر في البلدان التي تعاني من الجفاف الشديد أو من التصحّر، خصوصاً في أفريقيا». وفي المقابل، فاق عدد الذين حملتهم الوفود المتدفّقة إلى أنقرة ال 4090 مشاركاً. وكذلك يتوقّع حضور ما يزيد على خمسة آلاف مشارك في الدورة الثانية عشرة لمؤتمر اتفاقيّة التصحّر، ضمنهم ما يزيد على مئة وزير ورئيس دولة وحكومة، وثمانين من منظمات المجتمع المدني. ومن المستطاع النظر إلى تدفق المشاركين إلى العاصمة التركيّة متحدّين ظرفاً سياسيّاً معقّداً، بوصفه عنواناً مبكّراً لنجاح أشغالها أو على الأقل محفزاً لإنجاحها، إضافة إلى كونه رسالة تضامن دوليّة ضد الإرهاب، وفق ما أكّدته الوفود الرسميّة في كلماتها أثناء افتتاح الدورة. وأورد بعض المشاركين أنّ التضامن الدولي ضد الإرهاب من شأنه أن يعزّز إرادة الدول المجتمعة في تركيا في العمل معاً لإيجاد حلول لقضايا التصحّر والجفاف وتدهور الأراضي، عبر أجندة عمل الدورة الثانية عشرة. وتضرب تلك المشاكل أربعة مليارات هكتار من الأراضي، كما تؤثّر في شكل مباشر في ما يزيد على 250 مليون شخص، وتتهدّد زهاء بليونين ومئتي ألف نسمة. وبقول آخر، تمثّل تلك المشاكل قضايا ليست بعيدة من الصراعات المتعدّدة، وانعدام الأمن في الغذاء والطاقة والمياه، وظاهرة التطرّف، والهجرة الواسعة وغيرها. نظرة إلى «كوب 21» ينعقد «المؤتمر ال 12 عن اتفاق مكافحة التصحّر» في منعطف سياسي وبيئي تاريخي، يتّسم بشيوع حال من الترقّب والاستعجال. فبعد أسابيع قليلة، تعقد قمة باريس عن المناخ المعروفة باسم «كوب 21» COP 21. وتعقد عليها الآمال لاتّخاذ قرار في شأن خطة فعّالة لمعالجة تغيّر المناخ، يفترض أن يبدأ العمل بها بعد العام 2020. وقبل ثلاثة أسابيع، اعتمدت «الجمعيّة العامة للأمم المتّحدة» في دورتها السبعين في نيويورك، وثيقة حملت اسم «أجندة الأهداف الإنمائيّة المستدامة» التي تخلف في بداية العام المقبل، ما كان يعرف باسم «أجندة الأهداف الإنمائيّة للألفيّة» التي ظهرت في العام 2000. وهناك علاقة وثيقة بين الأجندتين من جهة واتفاقيّة مكافحة التصحّر من الجهة الأخرى. إذ تحتوي الجهتين أموراً مصيريّة، خصوصاً أن اتفاقيّة التصحّر توصف بأنها اتفاقيّة الفقراء التي لا يعيرها العالم اهتماماً كبيراً، على غرار ما يفعل إزاء اتفاقيّتي المناخ والتنوّع البيولوجي. كذلك تضم «أجندة الأهداف الإنمائيّة المستدامة» أهدافاً تتعلق بمبدأ «تحقيق الحياد إزاء تدهور الأراضي» Land Degradation Neutrality، الذي اعتُمِد في «قمة ريو 20 - للتنمية المستدامة - 2012». ويترجم ذلك المبدأ بمعنى التوصّل إلى تحقيق درجة الصفر في تدهور الأراضي، مع المبادرة إلى إصلاح كل أرض يصيبها أي نوع من التدهور. وشكّل مبدأ الحياد مكسباً مهماً للاتفاقيّة في شأن التصحّر والمناطق الجافة وشبه الجافة. إذ اعتبر بمثابة «القطعة المفقودة» في مفاوضات المناخ، نظراً لما يحمله من وعي حيال دور التربة والأراضي في التخفيف من آثار التغيّر المناخي. وتشير تقديرات متنوّعة إلى أن تحقيق مبدأ الحياد في الأراضي، يمكن أن يساعد أيضاً في تقليص انبعاث غازات التلوّث. وبعد أن نجحت في وضع قضايا التصحّر والحدّ من تدهور الأراضي وآثار الجفاف على رأس جدول الأعمال عالميّاً، بات طموح اتفاقيّة مكافحة التصحّر أكثر توثّباً. إذ شرعت في تقديم نفسها كفاعل حاسم في تغيّر المناخ. لذا، تسعى الدورة الثانية عشرة إلى اتفاقيّة التصحّر للخروج بقرارات سياسيّة جريئة تشمل وضع هدف ملزم وقابل للقياس في شأن الحياد إزاء تدهور الأراضي. وكذلك تسعى تلك الدورة إلى إدراج مسألة الأراضي وتدهورها وتصحّرها، لتكون جزءاً أساسيّاً من نقاشات قمة المناخ المقبلة في باريس.