يبدو أن تأنيث الوظائف والمهن لم يقتصر على جانب من دون آخر، إذ شمل حتى بعض الأعمال «المخالفة» و«الغريبة»؛ سعياً وراء لقمة العيش التي يطول سير كثيرين بحثاً عنها بشتى الطرق والوسائل. إذ قررت فاطمة الفتاة العشرينية، القاطنة في أحد الأحياء الجنوبية في مدينة الرياض، محاربة الفقر، الذي أنهك قواها، وبات أمامها «عدواً شرساً، لا يرحم ولا يهادن». وقررت فاطمة مغازلة السيارات ب«ممسحة صغيرة» وقنينة ماء ممزوجة بالقليل من سائل التنظيف، وراحت تمسد زجاج السيارات بيد أم حنون، وترجو من قائدها البر بها، وإعطاءها ما تجود به نفسه من ريالات زهيدة؛ فهي تقبل بأقل القليل الذي تراه أفضل من الحرمان، والذي يلازم حياتها من دون رحمة. وتصحو فاطمة باكراً؛ طمعاً في الحصول على أكبر قدر ممكن من دخلها اليومي، متخذة من مواقف السيارات وأمام المحال الكبرى، مقراً لعملها، الذي تديره هي وتحدد فيه ساعات العمل وأوقات الاستراحة، من دون ثنائية الرئيس المرؤوس. حرارة الشمس والغبار وعوادم السيارات المضرة في الصحة والبيئة معاً، ونظرات الناس الذين طالما اعتبروا هذا المهنة «للرجال فقط» من دون النساء، كل هذه العقبات لم تثن فاطمة عن كسب لقمة عيشها، بخروجها اليومي لمواجهة صراع الحياة المستمر أمام عيون المارة، وسيطرة الرجال على المواقع، ومحاولة إبعادها عن العمل فيها.