«لا يضيرنا العمل في قطاع التأنيث.. إلا أن ما نواجهه من معوقات يجعلنا نفكر جديا في التسرب الوظيفي».. هذا لسان حال العاملات في قطاع تأنيث المستلزمات النسائية اللاتي يحصلن على رواتب لا تتعدى الثلاثة آلاف ريال، فيما يدفعن كما يقلن نصف رواتبهن لسائقي الليموزينات، وذلك لانعدام المواصلات، إضافة إلى تغيير فترات الدوام ونقص الحوافز وغياب التدريب، ما يضعهن أمام تحديات كثيرة كشفن عنها ل «عكاظ» من خلال انتسابهن للعمل في هذا القطاع. في البداية، أوضحت نورة، التي تعمل منذ سنتين في محل للمستلزمات النسائية، أن هناك العديد من المضايقات التي تتعرض لها أثناء فترة الدوام، سواء النظرة الدونية لبعض المشترين أو تعامل النساء السيئ المتضمن صيغة الأمر والاستعلاء، ناهيك عن قيام المتسوقات المستهلكات بالعبث بالأغراض دون شراء ما يستلزم إعادة ترتيب البضائع المعروضة مرات بعد أخرى. وتشاطرها فاطمة الرأي، مضيفة أن هناك عائقا كبيرا أمامها وزميلاتها يتمثل في تبديل ساعات الدوام بنظام الشفتات (المناوبات)، حيث إن هناك دواما صباحيا وآخر مسائيا وتتغير المناوبات بين الزميلات بشكل أسبوعي، الأمر الذي يجعلهن يواجهن صعوبة مع المواصلات، خصوصا بعد انتهاء دوام الفترة المسائية التي تمتد حتى الحادية عشرة مساء. وتعرج زينب على أحد المعوقات اليومية التي تعاني منها بسبب عدم وجود عمالة نسائية مساندة للعاملات في القطاع، تكون مهمتهن ترتيب البضائع بعد انتهاء المتسوقات من تفحصها، فليس من المنطقي والحديث لزينب أن أكون موظفة بيع أو محاسبة وتسند إلي مهام إضافية كترتيب البضائع وراء كل عميلة، فهذا ليس من مهام عملي، كما تشتكي زينب من سوء تعامل بعض المشرفين الرجال على المحال الذين يتعاملون معهن بصيغة الأمر والنهي بطريقة منفرة. وتلتقط أمل أطراف الحديث قائلة: «نظرا لظروفي الأسرية لجأت إلى التوظيف في قطاع المستلزمات النسائية، لكنني أجد أن أهم المعوقات التي تقف أمامي وتجعلني أفكر كثيرا في التسرب من هذه الوظيفة هو عدم وجود عمالة مساندة من النساء في قطاع التأنيث، بمعنى أنني كموظفة بيع يطلب مني القيام بمهام تفريغ البضائع من الكراتين ووضعها في مخزن المحل، الأمر الذي يرهقني جسديا ونفسيا، حيث إن مهام الوظيفة متعددة، في حين أنه ينبغي توفير عمالة نسائية مساندة للموظفات في قطاع العمل»، مضيفة: «منذ استلامي مهام العمل قبل 7 أشهر لم أجد فرصة لرفع قدراتي، حيث إن التدريب يكون عند استلام الوظيفة فقط، فيما تحصل الموظفة على الخبرة اللازمة من خلال التعامل اليومي لا أكثر»، مؤكدة أن ذلك لا يكفي، مطالبة بضرورة عمل دورات تدريبية مستمرة للعاملات في هذا القطاع لتطوير قدراتهن في التعامل مع العميلات. من جهتها، تقول أم نهلة التي تعمل في هذا القطاع منذ سنتين إن العمل في قطاع التأنيث فرصة سانحة لاستقلال الفتاة ماديا وتحقيق الكسب المادي بما يرفع مستواها وبالتالي أسرتها، ولكن ينبغي إعادة النظر في البنية التحتية للقطاع بشكل عام ليصبح أكثر قوة، مبدية دهشتها من عدم السماح لها بتناول وجبة الإفطار في المحل، ما يضطرها لتناول وجبتها في ممرات السوق، واقترحت أم نهلة تخصيص عدد من غرف الاستراحات للعاملات في الأسواق والمراكز التجارية، بإشراف موظفات أمن في المركز التجاري، مشيرة إلى أن المطلب الأكثر أهمية من وجهة نظرها أن يوفر القطاع الخاص للعاملات في قطاع تأنيث المستلزمات النسائية المواصلات، حيث تلتهم أجرة السائقين نصف الرواتب. فيما تذهب حنان (تعمل في القطاع منذ ثلاث سنوات) إلى أهمية عنصر تدريب الموظفات وفق منهج عملي؛ لأن الوضع القائم تدريب عند استلام الوظيفة، وبعد ذلك نتعلم من خلال تعاملنا مع المستهلكات اللواتي يشتكين من سوء تعاملنا معهن؛ بحجة أننا لا نمتلك مهارات التسويق والتعامل مع الجمهور، في حين أن طبيعة العمل اليومي في قطاع التأنيث تجعلنا نتعلم فعليا التعامل مع مختلف شرائح المستهلكات. من جهته، دعا رئيس لجنة الأقمشة والمنسوجات بغرفة جدة رئيس طائفة الخياطين بجدة محمد بن سلطان الشهري وزارة العمل إلى التفتيش على عدد من الأسواق التجارية المفتوحة في جدة التي لم تطبق حتى الآن قرار تأنيث محلات الملابس النسائية وتعمل في وضح النهار دون رقيب.. وقال: القرار طبق بالفعل وبنسبة 100% على الأسواق المغلقة والمحلات النظامية التي تواكب المرحلة الثالثة للتأنيث حاليا، لكن هؤلاء النظاميين اكتشفوا أنهم ظلموا من القرار الذي فرض عليهم التزامات عديدة وزاد من الأعباء على كاهلهم، في حين ما زالت عدد من الأسواق المفتوحة (البلد، الكندرة، الشاطئ، البوادي، وغيرها) لم تؤنث المحلات، بل وتعتمد على عمالة غير نظامية.. أي أنهم يعملون فترتين ويدفعون رواتب زهيدة للعاملين، مما يخفض التكلفة عليهم ويزيد فرصهم لتحقيق الربح والنمو، في حين تواجه الكثير من المحلات النسائية بالأسواق المغلقة حالة من الكساد. وطالب الشهري صندوق تنمية الموارد البشرية بزيادة الدعم للمحلات النظامية من ثلاث إلى خمس سنوات، ورفع نسبة التحمل في راتب الموظفة السعودية من ألفين إلى ثلاث آلاف ريال، وقال: «نحن نعاني من مشاكل عديدة، أهمها عدم توفير كوادر نسائية مدربة، والتسرب الوظيفي، وضعف ثقافة التسويق لدى أغلب الفتيات أو الموظفات، ورغبة الغالبية منهن في العمل المكتبي، فالمستثمرون في قطاع الأزياء يواجهون معاناة حقيقية مع إلزامهم بتطبيق قرارات وزارة العمل، فنحن نأتي بالموظفة التي لا تستمر سوى شهور ثم تذهب إلى مكان آخر، يفترض أن يكون هناك عقد ينصف صاحب العمل ويلزم الموظفة بالاستمرار». فيما طالبت رئيسة لجنة تصميم الأزياء بغرفة جدة أميمة عزوز بتغيير الآلية المتبعة حاليا لتأنيث محلات الملابس النسائية بنسبة 100%.. وتمنت من وزارة العمل أن تسمع رأي المستثمرين والمستثمرات في هذا القطاع الذين يعيشون معاناة حقيقية، وقالت: ندرك أن وزارة العمل لن تتراجع عن تطبيق القرار الصادر عن مجلس الوزراء، لكننا نسعى إلى تطبيقه بطريقة صحيحة لا تسبب ضررا للتجار أو الصناع وتحقق أهداف الدولة العليا بتوفير فرص وظيفية للنساء، بعد أن أكدت الإحصاءات الصادرة عن حافز وجود أكثر من مليون امرأة تبحث عن عمل، علاوة على ضرورة أن تكون هناك خصوصية في بيع ملابس المرأة تتماشى مع العادات والتقاليد السعودية. وأضافت: لا بد أن تكون هناك حملة توعوية كبيرة تساعد على تغيير ثقافة العمل لدى المرأة، إضافة إلى التعاون مع الجهات التدريبية من أجل توفير كوادر مدربة توافق على العمل في محلات بيع الملابس، فالدفع بالمرأة إلى سوق العمل دون تأهيلها كارثة كبيرة ستعود عليها بشكل سلبي، فنحن نؤيد تأنيث محلات الملابس الداخلية والتجميل التي تحتاج إلى خصوصية في التعامل، لكن محلات بيع الأجهزة والمعدات وأدوات المواليد تحتاج إلى رجال، ولا ننسى أن المرأة ما زالت تواجه مشاكل عديدة بالعمل في هذه المحلات تتمثل في أزمة تأمين المواصلات، وارتداء الملابس الموحدة، وغيرها من الأمور التي تبدو بسيطة، لكنها كبيرة بالنسبة للموظفة والعاملة. ولفتت رئيسة لجنة تصميم الأزياء إلى أنها كانت مؤيدة وبشدة تطبيق المرحلتين الأولى والثانية لتأنيث الملابس الخاصة بمحلات بيع الملابس النسائيةِ الداخلية، وأدوات التجميل، ومحلات بيع فساتين السهرة وفساتين العرائس والعباءات النسائية والإكسسوارات، لكنها تريد التمهل في تطبيق المرحلة الثالثة، مشددة على أن استثمارات صناعة الملابس التي تتجاوز 13 مليار ريال تواجه الكثير من المخاطر عندما يجري تطبيق قرارات لا تحوز على رضا كامل لأصحاب وصاحبات العمل.