يرى البريطاني إيليوت هيغينز، أن ما ينشر في وسائط التواصل الاجتماعي هو قطع متناثرة من أحجية، وأن جمعها يفك الألغاز. ويبلغ هيغينز من العمر 36 سنة، وهو مهووس بالألعاب الإلكترونية، ويمضي أوقاتاً طويلة على الإنترنت، يتصفح المعلومات وينبشها لتبيان حقيقة ما حصل في صراعات حول العالم بينها الأزمة في سورية، وتدخل الروس في أوكرانيا، وأخيراً التدخل الروسي في سورية. وأسس هيغينز وثمانية متطوعين في العام 2012 موقعاً أسموه "بيلينغ كات"، كان في بدايته يحوي مجموعة منتقاة من فيديوات الانفجارات والاحتجاجات في الشوارع في أماكن كثيرة حول العالم، ثم بعد ذلك ذهب هيغينز وزملاؤه إلى أعمق من ذلك، فطرح الأسئلة ووثق المعلومات بمصادر من الإنترنت، واستعان بالحشود عندما لم يستطع فهم الأمور من تلقاء نفسه. وعلى سبيل المثال، لتحديد مكان صورة لإطلاق صاروخ في فيديو على "يوتيوب"، يقوم هيغينز بمقارنة الصورة بآلاف الخرائط الجغرافية في "غوغل إيرث"، أو حتى يستخدم صوراً في "تويتر" أو "آنستغرام" للتعرف إلى الأماكن والأشخاص. اشتهر هيغينز في العام 2013 بعرضه مقاطع فيديو تظهر استخدام الحكومة السورية الأسلحة الكيماوية. وفي 2014 هاجم تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) موقعه الإلكتروني، بعد تحديده المكان الذي يرجح أن المراسل الأميركي جيمس فولي أعدم فيه وقطع رأسه. واليوم، يراه الروس عدواً لهم. فالجيوش الإلكترونية الروسية المتحالفة تهاجمه عبر برامج تبث الفيروسات وتلاحقه التهديدات على وسائط التواصل الاجتماعي. ودرجت وسائل الإعلام الروسية الرسمية على التنديد به وبأعماله. يقول هيغينز: "يبدو أننا نحمل الإعلام الروسي على القلق، فنحن شاغله على الدوام". ويعود انزعاج الروس بداية الى تناول "بيلينغ كات" حادث إسقاط الطائرة الماليزية "إم إتش 17"، فوق شرق أوكرانيا في تموز (يوليو) 2014 الذي راح ضحيته 289 شخصاً. يومها، سارعت السلطات الروسية إلى تحميل القوات الأوكرانية مسؤولية إسقاط الطائرة، لكن هيغينز ورفاقه فندوا رواية موسكو عن الحادث واتهموا المتمردين الذين تدعمهم روسيا بإسقاط الطائرة. وحدد هيغنز الموقع الجغرافي لمطلق صاروخ "باك" على الطائرة الماليزية، بواسطة وسائل التواصل الاجتماعي، وجمع الموقع دلائل تشير إلى أعضاء الوحدة المسؤولة عن إطلاق الصاروخ، وتحديد سلم المسؤوليات في الوحدة، ومن كان المسؤول عن نقل الصاروخ عبر الحدود مع روسيا. موقع "بيلينغ كات" الذي يرصد الوضع في سورية أيضاً، أنشأ قسماً خاصاً لمتابعة الغارات الروسية في سورية، وتحديد أماكن استهدافها. ويبدو أن العداء بين هيغينز ورفاقه من جهة والروس من جهة ثانية سيظل مستمراً.