لفئة عمرية معينة لن أكشف عنها لأسباب أمنية استراتيجية، هناك أغنيات وأناشيد رسخت في الذاكرة، يوم أن كانت مصادر التلقي محدودة بالإذاعة والتلفزيون الرسميين فقط لا غير. أولى هذه الأغنيات كانت حكراً على من يذهبون للمدرسة بالسيارة أو الباص وغالباً ما يتحركون في السادسة والنصف، وبمجرد ان يدير الأب المذياع تصدح الفرقة الجماعية «احرث وازرع أرض بلادك/ بكرة تجني الخير لأولادك/ تررم ترررم/ زرعك يثمر خذ وأعطيها»، ثم يصدح صوت جهوري باسم البرنامج «الأرض الطيبة»، ثم تنطلق النصائح الزراعية حتى وصولك للمدرسة. في الظهيرة وعلى الغداء غالباً أو في السيارة أيضاً لمن يتأخرون مع الموظفين، هناك مقطوعتان موسيقيتان استمع لهما أبناء ذلك الجيل كل يوم من السبت إلى الأربعاء، الأولى مقدمة برنامج الحرس الوطني، والتي تليها مباشرة موسيقى نشرة الثانية والنصف التي يخيل إليّ أنها ثبتت ولم تتغير لعقدين من الزمن. في فترة العصر يكون المحتوى الموسيقي والغنائي غالباً من ثلاث فقرات رئيسية، الأولى الخاصة ببرنامج افتح يا سمسم «افتح يا سمسم أبوابك نحن الأطفال/ افتح واستقبل أصحابك نحن الأطفال» يوم أن كان الأطفال فعلاً أطفال، تعرف ذلك من فتح أفواههم دهشة وبهجة بالبرامج على رغم أنها تتكرر يومياً. بعد ذلك تأتي موسيقى الرسوم المدبلجة مثل «جرانديزر» و «الليث الأبيض» و «سنان» أحلى الأصدقاء ونحول وبقية الشلة، مروراً بعدنان ولينا اللذين جمعتهما الأماني وفرقتهما القلعة، ثم تأتي الخاتمة غالباً مع المغرب بالبرنامج الشهير «سلامتك» وأغنيته الأشهر «سلامتك سلامتك نود لك سلامتك/ لأنك الإنسان/ تعمّر الأوطان/ صن صحتك واضحك لنا/ فالطير يشدو حولنا يقول لك سلامتك». الغريب أن برنامج سلامتك كان يأتينا كإنتاج خليجي مشترك يوم أن كان غالب الناس أصحاء، وغالب طعامهم نقي نظيف، ويوم أن «دجينا» في أكلنا وصحتنا توقف البرنامج، فهل يا ترى هناك مؤامرة برامجية خليجية مشتركة ما؟... ما علينا. الشاهد أن كثيراً من هذه المقاطع «اللزيزة» باتت تعود إلى ذاكرة البعض عبر نغمات الجوال، أو من خلال مواقع الانترنت، وارى الجميع يرسل الزفرات وربما العبرات وتصيبهم «التنهيدات» على ذلك الزمن الجميل، ولو طلبت من احدهم أن يدير مؤشر المذياع على الإذاعة السعودية في الرياض أو جدة لاكتشفت انه لا يعرف رقم التردد الخاص بها. الأيام الخوالي جميلة، لأنها ببساطة لا تعود، فنعزي أنفسنا بفساد أو اختلال الذائقة والمفاهيم، والحقيقة أن الزمن الحالي أجمل بتطوره وإبداعاته إذا عرفنا كيف نجعل منه جميلاً، أو كيف نشيع الجمال من حولنا. [email protected]