تجدّد التطورات الأخيرة في أفغانستان المخاوف من زيادة نفوذ حركة «طالبان» التي كثفت هجماتها في أنحاء البلاد، ما يهدد بسقوط مدن كبرى تحت سيطرة الحركة المتطرفة التي أطاح هجوم عسكري، بقيادة أميركية، حكمها عام 2001. وتمكنت القوات الأفغانية من صد هجوم شنته «طالبان» على ضواحي مدينة غزنة، جنوب شرقي البلاد الثلثاء الماضي، بعد أسبوعين من سيطرة متمردي «طالبان» لثلاثة أيام على مدينة قندوز الاستراتيجية شمال أفغانستان. وتعرض «الطريق السريع 1» الذي يربط المدن الرئيسة في أفغانستان مراراً لاعتداءات مفاجئة وحواجز لاعتراض السير في جنوب البلاد، من جانب «طالبان». وعلى مدى الأسبوعين الأخيرين، قطع المتمردون الطريق السريع الذي يصل بين مقاطعتي دوشي وبغلاني جديد في إقليم بغلان الذي يعد معقلاً للقوات الحكومية. ووفق التقرير الذي نشرته صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية، فإن الأممالمتحدة اعتبرت أن أكثر من نصف المناطق الأفغانية عرضة للخطر، أو الخطر الشديد، بسبب هجمات «طالبان» المحتملة. وأظهرت بيانات الأممالمتحدة أن 27 من أصل 34 إقليماً أفغانياً يتضمن محافظات عرضة للخطر أو الخطر الشديد، منها أربع أو خمس محافظات في إقليم أُروزغان، البلاد، الذي توقعت القوات المحلية سقوطه تحت سيطرة الحركة. وقال نائب حاكم إقليم أُروزغان عبد الحميد إن الاستغاثات المتكررة لأبناء الإقليم لم تلق استجابة من الحكومة المركزية، مضيفاً أنه «إذا بقي الحال كما هو، سيقع الإقليم تحت قبضة طالبان بعد شهور قليلة». وأعرب مسؤولون في محافظتي ديهراواد وشورا التابعتين لإقليم أُروزغان عن القلق ذاته. وحاول المسلحون، الأسبوع الماضي، الاستيلاء على ميمنة عاصمة ولاية فرياب، لكن القوات الأفغانية صدتهم بمساعدة ميليشيات موالية للحكومة. وأشارت الأممالمتحدة إلى أن اعتداءات الحركة تزايدت في مناطق من البلاد لم يكن لديها وجود ملحوظ فيها سابقاً، خصوصاً في شمال أفغانستان الذي تشكل قبائل البشتون غالبية سكانه. وذكرت أن سطوة «طالبان» تتعزز في شرق البلاد وجنوبها، وهي المناطق التي يوجد فيها البشتون بكثرة، كون أكثر عناصر الحركة المتشددة من هذه القبيلة. وأعلنت «طالبان» الثلثاء الماضي انسحابها من وسط مدينة قندوز، شمال البلاد، والتي تسكنها 300 ألف نسمة غالبيتهم من البشتون، مؤكدة أن خروجها ليس مؤشراً إلى الهزيمة. وقال الناطق باسم الحركة ذبيح الله مجاهد في بيان: «نطمئن شعبنا والعالم أننا قادرون على انتزاع المدينة»، مضيفاً أن «الانسحاب من قندوز ومبان حكومية جاء بناء على الشورى لحماية المدنيين من القصف، وإطالة أمد البقاء مضيعة للبشر والذخيرة». وأفاد الكاتب المتخصص في شؤون باكستانوأفغانستان ووسط آسيا أحمد رشيد، بأن قندوز تؤمن قاعدة مثالية ل«طالبان»، تستطيع منها إرسال المقاتلين والمتفجرات والمال «لزعزعة استقرار الصين ووسط آسيا، ما سيؤدي إلى تفاقم خطر الإرهاب وتوسع الصراع الإقليمي». وأوضح أن استيلاء «طالبان» على المدينة الاستراتيجية آخر أيلول (سبتمبر) الماضي، شكل ضربة كارثية لحكومة الرئيس أشرف غني وانتكاسة كبيرة للولايات المتحدة وحلف «ناتو» اللذين أنفقا الكثير من المال لمحاولة ضمان أمن أفغانستان منذ عام 2001، لكنهما سحبا القسم الأكبر من قواتهما خلال العام الجاري، على رغم التحذيرات الواضحة بأن الوضع في شمال البلاد آخذ في التدهور.