تؤدي المؤشرات الاقتصادية الصينية دورين، إذ تعكس الوضع الحالي للاقتصاد وتكشف نوايا الحكومة الصينية. وأكد المحلل الاقتصادي في شركة «آسيا للاستثمار» فرانسيسكو كينتانا في تقرير أن «إدراك التوجه العام للحكومة الصينية يفرض على تحليل الأهداف الصينية أن يترافق مع دراسة التوجهات السياسية التي تنتج من الاجتماعات السياسية المهمة، وبما أن الأهداف ليست بالأهمية ذاتها، تعدل السلطات المسؤولة عن التخطيط أولوياتها خلال هذه الاجتماعات لتحسين السياسات التي تنتهجها». وأشار إلى أن «الاجتماع الأخير الذي عُقد الأسبوع الماضي أبقى على أهداف عام 2014، التي لم تتغير كثيراً عن أهداف عام 2013، وأبرزها استدامة النمو، وهي مهمة حساسة ومعقدة، إذ تطور خلال 30 عاماً من النمو بعض الاضطرابات على الصعيد المالي والعقاري، ما يجب طرحه وتناوله من أجل ضمان التطور في المستقبل». ولفت كينتانا إلى أن «قيادة البلاد أدركت أن معدلات النمو السابقة غير مستدامة، فبدأت تعمل من أجل الحصول على تباطؤ سلس ينتج منه معدل نمو محتمل أقل وأصح، في حين بقي معدل الناتج المحلي الإجمالي المستهدف ثابتاً منذ العام 2013 عند 7.5 في المئة». وأضاف: «عادة، توضع معدلات الناتج المحلي الإجمالي المستهدفة عند مستويات متواضعة يسهل الوصول لها، ولكن الناتج المحلي الإجمالي خلال العقد الماضي كان يفوق المعدل المستهدف بكثير، حتى أن خبراء اقتصاد توقفوا عن استخدام المعدل المستهدف من الحكومة مرجعاً لهم، ولكن خلال العامين الماضيين عاود هذا المعدل اكتساب أهميته في ظل التراجع الاقتصادي، إذ أصبح يمثل أقل معدل يمكن أن تقبله السلطات». واعتبر أن «النمو بلغ العام الماضي معدل 7.7 في المئة، وهو أعلى بقليل من المعدل المستهدف، ولكنه أقل من توقعات معظم المحللين، بينما قد تشهد هذه السنة، للمرة الأولى، تطابقاً في معدل النمو الحقيقي والمستهدف، إذ أعلنت القيادة الصينية صراحة استعدادها للسماح بمعدل النمو أن ينخفض إلى أقل من المعدل المستهدف». وشدد على أن «الآثار المترتبة على هذا الموقف تتشعّب، وقد تساعد في تفسير المجموعة الأخيرة من البيانات، أما المعدل المستهدف لنمو استثمارات الأصول الثابتة فحُدّد عند 17.5 في المئة هذه السنة، أي أقل من معدل العام الماضي البالغ 18 في المئة، وهذا أيضاً لا يعد مرجعاً دقيقاً سوى لاتجاه النمو». وأضاف كينتانا أن «عام 2013، خلال فترة ضعف النمو العالمي وتباطؤ الصادرات، رفعت الصين مستوى الاستثمار في البنية التحتية عبر الشركات المملوكة للدولة لتعويض التراجع في الاستثمار في القطاع الخاص، وبذلك نمت الاستثمارات الفعلية بمعدل 19.6 في المئة، ولكن في الاجتماعات الحكومية الأخيرة، اتفق على تحويل التركيز الاقتصادي من الاستثمار إلى الاستهلاك، ولذلك يُتوقع انخفاض مستوى نمو الاستثمارات عام 2014، بينما تبقى مبيعات التجزئة، المؤشر الرئيس للاستهلاك، مرنة». وأوضح أن «المعدل المستهدف لمبيعات التجزئة هذا العام يبلغ 14.5 في المئة، كما العام الماضي، ولكن المعدل الفعلي عام 2013 لم يصل للمعدل المستهدف، ولذلك يمكن استنتاج أن نوايا الحكومة قوية، إذ خفضت معدل النمو المستهدف للاستثمار على رغم تحقيقه العام الماضي، وأبقت معدل النمو المستهدف لمبيعات التجزئة على رغم عدم بلوغه العام الماضي». ونظراً لهذا السياق، يصبح من الأسهل تفسير بيانات كانون الثاني (يناير) وشباط (فبراير) الماضيين التي صدرت الأسبوع الماضي، إذ يشير الارتفاع في استثمارات الأصول الثابتة من 17.1 في المئة خلال كانون الأول (ديسمبر) الماضي إلى 17.9 في المئة خلال الشهرين الأولين من السنة، إلى عودة الأمور إلى طبيعتها. ولن تنمو الاستثمارات بمعدل 20 في المئة هذه السنة، ولكن أرقام كانون الأول الماضي كانت أقل من المتوسط بكثير، ولن تسمح السلطات الصينية للاستثمارات بالتدهور السريع، في حين يأتي تراجع الإنتاج الصناعي متوافقاً مع النموذج الجديد إذ ستتراجع الزيادة في القدرة الإنتاجية. وزاد كينتانا: «على رغم ذلك، قد يصحح في وقت لاحق هذه السنة التباطؤ في مبيعات التجزئة، إذ انخفضت من 13.6 في المئة خلال كانون الأول إلى 11.8 في المئة خلال الشهرين الأولين من السنة، كما أن هناك التزاماً سياسياً بتحفيز الاستهلاك، وإذا ما استمر التباطؤ، ستتخذ تدابير لعكس هذا الاتجاه». وعموماً، فإن الصين ملزمة بالهبوط السلس للاقتصاد باستخدام الأدوات السياسية الفعالة لتخفيف آثار التراجع، ولكن التبعات الاقتصادية لذلك كبيرة، خصوصاً على مُصدري السلع الذين زادوا في العقد الماضي بسبب الطلب الصيني، وذلك يشمل دول مجلس التعاون الخليجي التي رأت حاجة الصين الكبيرة للنفط، ما عوض فقدان الطلب من الولاياتالمتحدة خلال العقد الماضي. وفي حين لن ينقطع الطلب من الصين فجأة هذه السنة، ولكن على دول الخليج الاستعداد للتعايش مع ضعف الطلب الصيني خلال السنوات القليلة المقبلة.