شهد الاقتصاد الصيني عام 2011 عملية إعادة توازن صحية جعلت الاستهلاك الدافع الرئيس للنمو، إلا أن هذا التوجه تغيّر في الفصول الثلاثة الأولى من عام 2013، حيث أصبحت الاستثمارات المساهم الأكبر في النمو، وقادت الاستثمارات في العقار والبنية التحتية إلى تعافٍ نسبي، ما زاد الطاقة الاستيعابية في بعض الصناعات اضافة الى المخاطرة المالية، ما عزز ارتفاع معدل النمو الاقتصادي إلى أعلى مستوياته خلال الربع الثالث من العام الماضي. وجاء في تقرير لشركة «آسيا للاستثمار»، أن النمو الاقتصادي الصيني انخفض في الربع الأخير من 2013، كما يبيّنه الناتج المحلي الإجمالي بانخفاضه من 7.8 في المئة على أساس سنوي في الربع الثالث، إلى 7.7 في المئة ما بين أيلول (سبتمبر) وكانون الأول (ديسمبر). وكان التباطؤ ناتجاً أساساً عن التراجع المتزايد في الصادرات. ولكن في الربع الأخير، حصل تغيّر في التوجه بانخفاض مساهمة الاستثمار في النمو بينما عاد الاستهلاك ليكون دافعاً أهم في النمو. وعلى رغم كون الاستثمار المساهم الرئيس في النمو، إلا أن الارتفاع الحاد في الاستهلاك في الربع الأخير قد يشير إلى تحوّل في حوافز النمو في المسقبل. وتبيّن المؤشرات الأخيرة للاقتصاد الكلي أن السلطات الصينية تدير بنجاح الهبوط السلس للإقتصاد ضمن مساعيها لإعادة توازنه. وكما هي حال الناتج المحلي الإجمالي في الربع الأخير من 2013، انخفضت الاستثمارات في الأصول الثابتة إلى 17.1 في المئة على أساس سنوي في كانون الأول، وهي علامة تشير إلى أن السلطات الصينية أتخذت موقفاً أقل هجومية من السابق، حيث كانت استثمارات الأصول الثابتة تنمو بمعدل 18.2 في المئة على أساس سنوي في تشرين الثاني (نوفمبر) وبمعدل 21.4 في المئة في آب (أغسطس). وفيما كانت استثمارات الأصول الثابتة تفقد زخمها، واصلت مبيعات التجزئة نموها بانتظام. ففي كانون الأول، نمت مبيعات التجزئة بمعدل 13.6 في المئة على أساس سنوي، وهو معدل أقل قليلاً من معدل تشرين الثاني البالغ 13.7 في المئة. وانخفض الإنتاج الصناعي إلى 9.7 في المئة على أساس سنوي في كانون الأول بعد أن كان يبلغ 10 في المئة في الشهر السابق، بسبب ضعف القطاع الخارجي. وبالنظر إلى جميع هذه البيانات لا نرى انهياراً حتمياً للاقتصاد الصيني، لكن نرى إشارات إلى إعادة توازن محتملة. وجاء في تقرير «آسيا للاستثمار» «خلال عام 2013، نما الناتج المحلي الإجمالي أسرع من المعدل المستهدف أساساً من قبل السلطات الصينية والبالغ 7.5 في المئة على أساس سنوي. ويعود الفضل في تحقيق الصين نمواً يفوق المعدل المستهدف، إلى نموذج النمو المعتمد على الاستثمار والذي كان ظاهراً خلال الجزء الكبير من السنة. وعلى رغم مساعدته الصين على تجنب الهبوط الحاد في عام 2013، إلا أنه عرض الاقتصاد لأخطار مالية». وتشير بيانات الناتج المحلي الإجمالي إلى أن النموذج المتبع خلال معظم العام الماضي لن يتكرر هذا العام في شكل كبير، مع استعداد القيادة لاستهداف نمو أقل للناتج المحلي الإجمالي في مقابل الحصول على نمو مستدام. ويُتوقع تطبيق إصلاحات مثل تحرير سعر الفائدة، ووضع قواعد للديون الحكومية، لكن هذه العملية ستكون طويلة المدى ما سيجعل التغييرات تدريجية. ويُرجح أن يكون معدل النمو المستهدف للناتج المحلي الإجمالي الصيني هذا العام هو معدل العام الماضي ذاته، لكن المعدل الفعلي سيكون قريباً من المستهدف، لأن التوجه الاقتصادي سيكون حول الإصلاحات، ومشابهاً للربع الأخير من عام 2013، ومدعوماً من السياسة المالية النشطة. لهذا السبب، يُتوقع أن ينخفض نمو الناتج المحلي الإجمالي الصيني هذه السنة، بسرعة الهبوط السلس ذاتها، لكن مع أخطار أقل ونمو طويل المدى أكثر استقراراً.