يعتمد استقرار الاقتصاد العالمي بشكل كبير على الصين، حيث فشل العالم بالعودة إلى طريق مستدام للنمو من بعد أزمة عام 2008. ففي هذه الفترة، شهدت الاقتصادات العالمية مثل الولاياتالمتحدة الأميركية وأوروبا تقلصاً في النمو لم تتعافى منه إلا بشكل بسيط. بينما أصبحت الصين، وهي ذات ثاني أكبر اقتصاد في العالم، واحدة من الحوافز القليلة للنمو الاقتصادي العالمي. فقد ساهم نموذج النمو الصيني المعتمد على الاستثمار بالحفاظ على الأسعار العالمية عالية، مما سمح للعديد من الدول المصدرة بتفادي أسوأ سنوات الانكماش، مع تحقيق أداء مقبول نسبياً، حسبما يرى فرانسيسكو كينتانا كبير الاقتصاديين في شركة «آسيا للاستثمار» المتخصصة في الاستثمار في الأسواق الآسيوية الناشئة. إلا أن الصين كانت تخلق التوترات الداخلية، بسبب نظامها المالي المغلق الذي سبب فقاعة أسعار العقار، وقطاع صيرفة الظل، ومشاكل أخرى متعلقة بإعادة الاستثمار. وحالياً، تسلط الأضواء العالمية على الصين، حيث إن أي أزمة في الصين قد تتسبب بأزمة جديدة في العالم. ومع إجماع الاقتصاديين بأن احتمالات الوصول لمستوى النمو السابق باتت ضئيلة جداً، فإن السؤال الأهم هو هل ستقدر الصين على أن تهبط بنموها تدريجيا أم أنها ستشهد هبوطاً حاداً سريعاً؟ وتبين مؤشرات الاقتصاد الكلي الأخيرة أن الصين قادرة بشكل جيد على الانخفاض بالنمو تدريجياً. وقد عبر العديد من المحللين عن شكوكهم حول جدوى الاعتماد على البيانات الصينية إلا أنه من المقبول إجمالاً اعتبارها مؤشرا لتوجه الاقتصاد. فقد تم الإعلان عن أرقام نمو الناتج المحلي الإجمالي الأخيرة في الأسبوع الماضي، والتي بينت أن الاقتصاد قد نما في الربع الثالث من عام 2013 ليصل إلى 7.8 بالمائة على أساس سنوي، بعد أن كان 7.5 بالمائة في الربع السابق. وتشير بيانات أخرى من شهر سبتمبر إلى معدل نمو ثابت. أما مؤشر مبيعات التجزئة، الذي يعتبر مؤشراً جيداً للاستهلاك، فقد انخفض من معدل نمو 13.4 بالمائة إلى 13.3 بالمائة على أساس سنوي في سبتمبر. وعلى نفس النمط، ارتفعت الاستثمارات الثابتة بمعدل أبطأ من الشهر السابق، حيث بلغت 20.2 بالمائة بعد أن كانت 20.3 بالمائة في أغسطس. ويؤكد على هذا التوجه مؤشر الإنتاج الصناعي. وبالنظر إلى هذه البيانات سوياً نجد أنه ليس هناك دليل على قرب سقوط الاقتصاد الصيني. ويمكن الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي من قياس الناتج الاقتصادي أو حجم الاقتصاد - معدّل بالنسبة للتضخم أو الانكماش. ويقيس مكتب الإحصاء الوطني في الصين، وهو الجهة الحكومية المسؤولة عن البيانات الوطنية، الناتج على حسب القطاعات الثلاثة الرئيسية وهي: القطاع الأولي أو قطاع الإنتاج، والقطاع الثانوي أو القطاع الصناعي، وقطاع الخدمات، أو بطريقة الإنفاق، الذي يتضمن الاستهلاك الخاص، والإنفاق الحكومي، والاستثمارات المالية الثابتة، والصادرات والواردات. وتشكل الاستثمارات ما يقارب نصف الناتج المحلي الإجماليالصيني، وهي مؤشر اقتصادي جيد لمتابعة قطاع استثمارات الأصول الثابتة، الذي تمثل فيه قطاعات العقار والصناعة أكبر الأجزاء. كما أن مبيعات التجزئة هي أدق مقياس لمتابعة التغيرات في أنماط استهلاك الأفراد. ومن غير المتوقع أن تشهد الصين انخفاضاً حاداً في النمو. لكن يجب على كل من السلطات الصينية والمستثمرين العالميين ألا يقعوا في خطأ الرضا عن الوضع الحالي. فالنظام الحالي القائم على استخدام الموارد المالية لتحفيز الاستثمار في القطاعات التي تختارها الدولة غير مستدام. وهذا يرجع أولا:ً لكون هذه الأموال تستخدم في شركات القطاع الحكومي الأقل كفاءة بينما تدفع الحاجة الملحة للتمويل شركات القطاع الخاص إلى الدخول في نظام مالي موازٍ يرتفع فيه سعر الفائدة من خمس إلى عشر مرات، مما يشكل عبئاً ماليا ضخماً. ويرجع ثانياً إلى أن الاستثمارات يتم استخدامها لخلق تنافسية وهمية في قطاع الصادرات، الذي لن يتمكن من المحافظة على التنافسية على المدى المتوسط. وحتى الآن، حافظت الصين على تنافسية الشركة المصدرة عن طريق التمويل قليل التكلفة ورخص العمالة. وكما أشرنا سابقاً، التمويل قليل التكلفة يفتقد الكفاءة والاستدامة. والعمالة لم تعد رخيصة كالسابق بحسب مقاييس المنطقة. وسيكون التحول من هذا النظام عملية صعبة ومؤلمة. فهذا يعني أن النمو سيكون أقل وأن هناك العديد من التغيرات في الهيكل التنظيمي القائم حالياً، والتي ستجد بدورها رفضاً كبيراً ممن هم داخل النظام.