منذ أسابيع يعرض الفيلم المصري «ولاد العم» في سينما القصبة برام الله، فيه يجسد الفنان كريم عبدالعزيز دور ضابط مخابرات مصري يسعى للحصول على معلومات من داخل تل أبيب ومساعدة المصرية سلوى (منى زكي)، التي وجدت نفسها في شكل مفاجئ في إسرائيل، بعد أن قام زوجها عزت (شريف منير) باختطافها وابنيهما إلى تل أبيب المفترضة، بعد أن اعترف لها بأنه ضابط يهودي في الموساد الإسرائيلي واسمه الحقيقي «دانيال». ولم يحقق الفيلم قبولاً فلسطينياً على رغم أن كثراً اهتموا بمتابعته، بخاصة أنه يتحدث عن قضيتهم في شكل أو آخر. ولعل الثغرات المتعددة والتي لم يصعب على الفلسطينيين ملاحظتها بسهولة هو ما جعلهم يتهكمون على الطريقة التي أديرت فيها مجمل تفاصيل الفيلم. ومن هذه الثغرات حديث فتاة فلسطينية كانت تنوي تفجير نفسها في أحد مراقص تل أبيب، وتسليمها للضابط المصري تذكاراً قالت إنه مفتاح منزلها الذي هجرت منه في الضفة، علماً بأن التهجير وما رافقه من مفاتيح ضخمة لا تتناسب والمفتاح الذي يبدو وكأنه لقفل متناهي الصغر، كانت لمنازل الفلسطينيين في الأراضي التي احتلت في العام 1948 والتي باتت تعرف بالمناطق الفلسطينية داخل الخط الأخضر، أما الفلسطينيون في الضفة فلم يهجرّوا بعد. ومن بين الثغرات الواضحة عمليات تفجير المنازل والهجرة الجماعية لسكان القرى وما رافقها من قتل وتنكيل بالفلسطينيين، في وقت كان الضابط المصري متنكراً في زي عامل فلسطيني يشارك في بناء جدار الفصل العنصري، حيث تهكم العديد ممن تابع الفيلم في رام الله من عدم التجانس المطلق بين المشهدين، ومن الصورة النمطية لتعاطي كاتب الفيلم عمرو سمير عاطف، ومخرجه شريف عرفة مع تسلسل المراحل الزمنية، فمناظر التهجير والتفجير تكررت في العامين 1948 والأعوام القليلة التالية له، وكذلك في العام 1967 وليس في العام 2009 حيث تقترب إسرائيل من إنهاء بناء الجدار العنصري. وما أثار استغراب الفلسطينيين التصوير غير المدروس لمباني وشوارع تل أبيب على أنها نيويورك أو إحدى المدن الأوروبية مع أن عدد البنايات الشاهقة في تل أبيب ليس بهذا الكم، بل أن بعض أحياء القاهرة أكثر رقياً وتمدناً من العديد من أحياء تل أبيب. وتظهر «سذاجة» الفيلم في تعاطي القائمين عليه مع مشاهد المطاردات وفق النظرة الأميركية المبالغ فيها، حيث يستطيع البطل بمفرده هزيمة جيش بأكمله في عقر داره، وهو ما كان يحدث في أفلام سلفستر ستالوني، وارنولد شوارزينجر، وفاندام، وغيرهم، لقد بدا غريباً جداً كيف استطاع الضابط المصري التغلب على القوة الأمنية الإسرائيلية، والأغرب أن هناك جهازاً مصرياً مسلحاً قام بإنقاذ الضابط حين ألقي القبض عليه، وكأن إسرائيل في غفلة من أمرها عن جيش مصري يقيم في تل أبيب منذ سنوات ولم يظهر إلا لإنقاذ الضابط. واستغرب عدد من المشاهدين كيف أن الضابط استطاع سرقة سيارة «جيب» ودهم العديد من حواجز الشرطة الإسرائيلية في وقت راحت تنقلب فيه سيارات الشرطة واحدة تلو الأخرى، دون أي تدخل للقوات الخاصة أو الطيران الحربي. كان المشاهدون يأملون من القائمين على الفيلم وغيره من الأفلام المصرية والعربية التي تتناول القضية الفلسطينية بشكل أو آخر، الاستعانة بكتاب فلسطينيين أو على الأقل خبراء في الشأن الفلسطيني يدركون تفاصيل الحياة الفلسطينية ولا يقعون بالتالي في أخطاء بديهية، بالنسبة إلى الفلسطينيين على الأقل. ونشرت صحف ومواقع الكترونية فلسطينية مقالاً للناقد الفلسطيني سعيد أبو معلا، يقول فيه: وصل الفيلم ذروة المبالغة غير المبررة مع المطاردات، فمدينة مثل تل أبيب يستحيل أن تشهد أحداثاً بمثل التي عرضها الفيلم، وحتى لو حصل ذلك جدلاً لكان من المستحيل خروج الضابط المصري من المكان حياً ومنتصراً، وذلك بمنطق معرفتنا لمدينة مثل تل أبيب ذاتها. ويضيف: الأخطاء التي يصعب غفرانها كانت كثيرة، وتحديداً مع وجود إمكانية لأن يبدو الفيلم أكثر دقة واحترافية لو استعان المخرج ومن قبله بكاتب سيناريو فلسطيني، على أن يكون قد عمل في تل أبيب، أو حتى بأحد فلسطينيي 48، لنقل صورة أكثر دقة وواقعية عن مدينة تل أبيب أو عن الشخصية الإسرائيلية، ولمنح المخرج تصوراً ما للمدينة وطريقة الحياة فيها .. لو حصل ذلك لما شاهدنا مثلاً: سيارات الثمانينات في شوارع تل أبيب المفترضة، ولما شاهدنا الموساد الإسرائيلي يحمل سلاح الكلاشنيكوف، ولما شاهدنا ضابط الموساد يأمر عبر الهاتف جنوده بقتل الأطفال الفلسطينيين، حيث إن الموساد عملياً لا يتدخل بالعمليات العسكرية داخل الأراضي الفلسطينية، وكذلك مشهد تهجير الفلسطينيين من إحدى قراهم الذي جاء قادماً من مشاهد الخمسينات وليس مطلع القرن الحادي والعشرين، وكذا طرق هدم منازل الفلسطينيين وطبيعة عمل الفلسطينيين في هذه المستعمرات، ولا ننسى مشهد الجدار ذاته، وكذا في تقديم مبنى الموساد الإسرائيلي الذي يعتبر قلعة حصينة، حيث قدم على أنه مبنى حديث يسهل اختراقه، وكذا في طبيعة العلاقات التي تجمع ضباط الموساد ولقاءاتهم واحتفالاتهم غير المبررة أمنياً في دولة يحتل الهاجس الأمني فيها أولوياتها ويصوغ طريقة حياة سكانها.