حقق الرئيس الأميركي باراك أوباما إنجازاً مدوياً بإعلان وزراء 12 دولة مجتمعين في مدينة أتلانتا، جنوبالولاياتالمتحدة، توصلهم إلى «اتفاق الشراكة عبر الهادئ». وفور الإعلان، سارع أوباما إلى إصدار بيان جاء فيه ان من شأن الاتفاق إلغاء 18 ألف عقبة جمركية على الصادرات الأميركية إلى الدول الموقعة. وتابع أوباما أنه سيعمل للإنخراط في نقاش مع أعضاء الكونغرس والشعب الأميركي حول الفوائد الاقتصادية والعائدات الإيجابية التي سيحققها الإتفاق للشعب الأميركي. والعمل على الإتفاق، الذي يضم 12 دولة هي: الولاياتالمتحدة وكندا والمكسيك وبيرو وتشيلي واليابان وأستراليا ونيوزيلندا وماليزيا وسنغافورة وفيتنام وبروناي، بدأ في عهد الرئيس السابق جورج بوش، واستمر بدعم من أوباما. وفي 2013، أعلنت اليابان، صاحبة ثالث أكبر اقتصاد في العالم، انضمامها إلى المفاوضات، فأصبحت الدول المشاركة تمثلّ إجمالي 40 في المئة من الاقتصاد العالمي. وتعارض غالبية من حزب أوباما الديموقراطي الإتفاق إذ ان الحزب يتمتع بتأييد واسع بين اتحادات العمال والنقابات والمزارعين، وهذه المجموعات تخشى من ان يؤدي إلغاء الحمايات الجمركية إلى منافسة خارجية قوية تطيح بعدد من القطاعات الصناعية والزراعية الأميركية، وهو السبب الذي جعل أوباما يفتتح بيانه حول الإشادة بالتوصل إلى الاتفاق بالإشارة إلى جانب إلغاء الحمايات الجمركية لدى الدول الأخرى، ما يعزز حظوظ الصادرات الأميركية. لكن الرئيس الأميركي أغفل، بوضوح، ذكر ان إلغاء الحمايات الأميركية قد يترك بعض الأميركيين عرضة للمنافسة من البضاعة الأجنبية. وكان أوباما، وبدعم غير مألوف من الحزب الجمهوري المعارض، حاز على تأييد الكونغرس للتصويت على نص الاتفاق بنعم أم لا، أي من دون ان يكون لأعضاء الكونغرس حق تعديل أي من البنود فيها. كذلك، حرم الكونغرس إمكان تعطيل التصويت عليه، ما يعني ان حظوظ مصادقة الغالبية الجمهورية على الاتفاق، وتالياً إقراره، عالية جداً. في هذه الأثناء، أشارت التقارير المتواترة من مدينة أتلانتا ان إحدى البنود التي أخرّت إعلان الاتفاق تمثل بإصرار الأميركيين على إبقاء الحماية الفكرية لصانعي الأدوية لمدة 12 سنة، فيما استراليا تمنح حماية لا تتعدى خمس سنوات. ويدر إبقاء الحماية أرباحاً تقدر بالبلايين على شركات صناعة الأدوية، وهو ما دفع اللوبي العامل بإمرة هذا القطاع إلى الإصرار على إبقائها لهذه المدة الطويلة. وانتهت صلاحية الحماية الفكرية العام الماضي ل 31 دواءً بلغ حجم مبيعاتها سنوياً 19 بليون دولار. ومع انتهاء الحماية، انخفض سعر الأدوية بواقع 70 في المئة، ما وفّر على المرضى وشركات التأمين والحكومة الأميركية 13 بليون دولار. هذا التوفير هو سبب إصرار استراليا، حيث تنفق الحكومة على استشفاء مواطنيها، على تقصير مدة الحماية الفكرية لصانعي الأدوية. ومن غير المعروف ما هي التسوية التي توصل إليها المجتمعون حول الحماية الفكرية للأدوية، إلا ان البعض توقعوا ان ينص الاتفاق النهائي على حماية تبلغ 7 سنوات، وهو ما يمثل حلاً وسطاً بين أميركا وأستراليا. موضوع آخر ساهم في تأخير الإعلان، بحسب العارفين، هو اختلاف بين أميركا واليابان حول بعض الحمايات الجمركية لمربي البقر وبائعي لحومها، وهو خلاف جرى تذليله بعد جلسات طويلة، ما حدا ببعض المراقبين الإشادة برئيس الحكومة الياباني شينزو آبي الذي يشارك في الاتفاق على رغم معارضة واسعة له في الداخل، على غرار المعارضة التي يلقاها أوباما داخل حزبه. على ان المراقبين يعتقدون ان الولاياتالمتحدةواليابان ستجنيان كثيراً، خصوصاً لناحية التزام الدول الأخرى بمبدأ حقوق الملكية الفكرية، إذ تظهر البيانات الاقتصادية فائضاً أميركياً بلغ 90 بليون دولار في 2013 جنتها الشركات الأميركية من مبيعات حقوق الملكية الفكرية في دول العالم، ومن شأن «اتفاق الشراكة عبر الهادئ» تعزيز هذه السوق. وكما أميركا، تستفيد اليابان المتطورة في صناعاتها الالكترونية من حماية براءات الاختراعات والأرباح التي يمكن ان تدرها هذه على الشركات والمخترعين اليابانيين. ويُتوقع ان يؤدي إعلان التوصل إلى «اتفاق الشراكة عبر الهادئ» إلى تكثيف النقاش حوله بين الأميركيين. هذه المرة، على غير عادة، يوجه سهام نقدهم إلى أوباما من أيدوه على مدى السنوات السبع الماضية، من أمثال المعلق الاقتصادي في «نيويورك تايمز» والفائز بجائزة نوبل للاقتصاد بول كروغمان، الذي برز كأكبر المعارضين لها بسبب تأثيراتها السلبية التي يتوقعها على العمال الأميركيين. ومن اليسار الأميركي أيضاً المرشح الديموقرطي للرئاسة بيرني ساندرز، وهو عضو الكونغرس الوحيد من الحزب الاشتراكي الأميركي، برز في هجومه ضد الاتفاق الذي يرجح ان يتحول إلى مادة للمواجهة السياسية والإعلامية بين الحملات الرئاسية المتنافسة على مدى الأسابيع المقبلة.