زاد التدخل العسكري الروسي في سورية من تعقيدات الأزمة التي تعاني منها البلاد منذ أكثر من أربع سنوات، وسط توقعات بأن يؤثر هذا التدخل سلباً على مساعي الأممالمتحدة لتقريب وجهات النظر بين الأطراف المتنازعين قبل «جنيف 3». وكان الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون أعلن في 22 أيلول (سبتمبر) الماضي اعتماد مبادرة المبعوث الدولي إلى سورية ستيفان دي ميستورا، القاضية بتعيين رؤساء أربع مجموعات عمل لإجراء حوار سوري داخلي، تتباحث فيه الأطراف المتصارعة حول سبل إحلال السلام، من خلال تقريب مواقف أطراف النزاع السوري، لتمهيد الطريق إلى «جنيف 3» الذي يُنتظر أن ينهي الصراع على أساس بيان اتفاق «جنيف 1». وأعلن وزير الخارجية السوري وليد المعلم يوم الجمعة الماضي أن حكومة الرئيس بشار الأسد مستعدة للمشاركة في هذه المبادرة، لكن الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية أكد في بيان السبت، بعد اجتماعات عقدت في اسطنبول الأسبوع الماضي، أن «المبادرة لن تنجح بصيغتها الحالية». وحمل البيان توقيع المكتب السياسي لجماعات إسلامية قوية مثل «أحرار الشام» وجماعات مدعومة من الولاياتالمتحدة مثل «الفرقة 101». وجاء في البيان: «نعتبر أن مجموعات العمل بصيغتها الحالية والآليات غير الواضحة التي تم طرحها توفر البيئة المثالية لإعادة إنتاج النظام». وأضاف أن «الخطة تجاهلت غالبية قرارات الأممالمتحدة في شأن سورية، بما في ذلك القرارات التي تنص على التخلص من الأسلحة الكيماوية السورية والسماح بدخول المساعدات الإنسانية». وأكد البيان الذي وقعت عليه جماعات معارضة أن «تشكيل هيئة الحكم الإنتقالية هي عملية انتقال للسلطة كاملة، لا مكان فيها لبشار الأسد ورموز نظامه». ويعد مصير الأسد نقطة الخلاف الرئيسة بين واشنطن والمعارضة المدعومة منها من جهة، وبين موسكو وطهران من جهة أخرى. وعلى رغم قول الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إنه على بشار الأسد أن يكون مستعداً ل«تسوية» مع المعارضة المقبولة، لكن اجتماعه مع نظيره الأميركي باراك أوباما على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها ال70، أكد الخلاف حول مصير الأسد، وحمل تحذيراً ضمنياً من واشنطنلموسكو حول ردة فعل سلبية في حال استهدفت غير «داعش» في سورية. إلا أن موسكو تجاهلت التحذيرات الأميركية ووسعت عملياتها الجوية ضد فصائل المعارضة السورية. وقررت مشاركة قوات بحرية في العملية، وسط أنباء عن بدء مقاتلين من «حزب الله» وجماعات أخرى التقدم في ريف إدلب شمال غربي البلاد. ودفع هذا التصعيد أوباما إلى التحذير مجدداً من أن الحملة العسكرية الروسية في سورية لدعم بشار الأسد تؤدي إلى «كارثة مؤكدة»، لكنه أكد أن واشنطنوموسكو لن تخوضا «حرباً بالوكالة» بسبب هذا الخلاف. وقال أوباما في مؤتمر صحافي يوم الجمعة الماضي إن الرئيس الروسي «لا يفرّق بين تنظيم الدولة الإسلامية وبين المعارضة (السورية) السنية المعتدلة التي تريد رحيل الأسد»، مضيفاً أن «من وجهة نظرهم كل هؤلاء إرهابيون، وهذا يؤدي إلى كارثة مؤكدة». وأكد أوباما أن بلاده «ستواصل دعم المعارضين المعتدلين، لأن هذه المجموعات تستطيع المساعدة في جمع القطع والربط بينها لإقامة دولة متماسكة ومتجانسة» بعد حكم الأسد. وأبدى استعداده العمل مع بوتين، خصوصاً اذا ساعدت موسكو في «تسوية سياسية» بدلاً من مضاعفة دعمها العسكري للأسد، مؤكداً أنه أخبر «بوتين أنه مستعد للعمل معه إذا كان يرغب في البحث مع شريكيه الأسد وإيران، في انتقال سياسي». وأضاف: «يمكننا جلب بقية العالم إلى حل تفاوضي، لكن حلاً عسكرياً فقط يتمثل بمحاولة روسيا وإيران دعم الأسد ومحاولة تهدئة السكان ستغرقهما في مستنقع». وقال الرئيس الأميركي: «سنواصل الإتصال بموسكو، لكن لن يكون بإمكاننا تنظيم هذه المفاوضات ما لم يكن هناك اعتراف بوجوب تغيير الحكومة السورية». وأضاف: «المشكلة هنا هي الأسد والعنف الذي يمارسه على الشعب السوري وهذا يجب أن يتوقف (...) وحتى يتوقف نحن على استعداد للعمل مع الأطراف المعنية كافة، لكن لسنا على استعداد للتعاون مع حملة روسية تحاول ببساطة القضاء على كل من لا يعجبه أو ضاق ذرعاً بالسيد الأسد». وأكد أوباما أن «التوتر والإختلاف في وجهات النظر سيستمران (..) لكن لن نجعل من سورية ساحة حرب بالوكالة بين الولاياتالمتحدةوروسيا». واعتبر متابعون للشأن السوري في هذا السياق، أنه بسبب هذه التطورات، فإن نجاح اجتماع «جنيف 3» يبقى مرهوناً بالتوافق الروسي- الأميركي.