من الممكن اعتبار «الرواية داخل الرواية»، أو كما هو واضح لنا في هذا العمل «الرواية داخل القصة» طريقة كتابية تفضي إلى خلق تقنية سردية جديدة، تتعلق بالشكل البنائي للسرد أولاً قبل أن تكون مرتبطة بالمضمون الداخلي للنص السردي. ما أريده هنا فقط، هو القول إن عمل «الملك الجاهلي يتقاعد» للكاتب السعودي فهد العتيق، الصادر ببيروت عام 2014، والمصنّف على أنه رواية، هو عمل قصصي بداخله رواية، نص سردي تضمن بداخله نصاً سردياً آخر، هو أشبه بلعبة ال«كيندر Kindr» ذات الشكل البيضاوي، التي تتضمن بداخل القطعة من الشيكولاته لعبة بلاستيكية صغيرة، نصٌ رئيس يبتكر حقيقة النص الآخر ويسعى إلى إنجابه وتحضيره بنائياً وجينومياً، هما نصان: شيء أولي يظهر في شوكولاته الأكل، وشيء آخر يظهر في فعل التركيب للقطعة بحسب الورقة المصاحبة معه. من هنا نواجه نصاً كيندرياً بامتياز: نص سردي جاهز للأكل، ونص سردي آخر مفكك رمزياً، يتطلب من القارئ مهارة التركيب، ثم اللعب بالقطعة النصية. ولعل من الأسئلة التي يطرحها هذا العمل المصنّف من كاتبه على أنه رواية: من هو راوي هذا العمل؟ ما مواضيعه؟ وكيف تمّ توزيع وتقسيم فصوله؟ اثنان هما من كتب عمل «الملك الجاهلي يتقاعد» الراوي الحقيقي الأول هو: فهد العتيق، والراوي الثاني: هو الشخصية داوود. وهذان الاثنان كما يظهر على مستوى البناء السردي، تقاطعا معاً في الفكرة والموضوع وفي رسم الشخصيات وصنع الأحداث. إن مواضيع وأحداث هذا العمل يمكن اختصارها في نقاط عدة: أزمة الفرد وإحساسه بالغربة في المجتمع، واختلال معايير الصدق، ضياع الأمل، التحسر، تشتت الأصدقاء، تلاشي الأحلام، الخوف من مواجهة الحقيقة، عنف الذكريات، الروتين اليومي، الصراع مع المرض، الرغبة في الكتابة وعدمها، قراءة التاريخ بطريقة مختلفة. والرؤية البنائية للعمل كشكل هندسي من شأنها أن تكشف عن حقيقة الجنس السردي لهذا العمل، التي تتضح من خلال تقسيم فصول الرواية إلى عناوين صغيرة بداخل الرواية، وهي على النحو التالي: (الملك داوود يتقاعد، تحليل الدم، أسئلة الجاهلية الجديدة، آثام صغيرة لا تضر، مقهى همس العيون، المكان الحر الحلم، كوميديا الحبوب المهدئة، تمارين حلم اليقظة، راعي الأغنام، وخزات سرد خفيفة، شعرة الرأس الملعونة، عرب). إن عنوّنة فصول هذا العمل تكشف عن مستويين هما: المستوى الأول اتخاذها بهذا الشكل كنوع من تسهيل المجرى السردي للأحداث، المستوى الثاني: أن كاتب هذه الرواية لم يزل قاصاً في بناء الشكل الهندسي لهذا العمل. وما يؤكد كلامي السابق، هو ما نجده في سيرته الأدبية من أن فهد العتيق بدأ قاصاً وعُرف بذلك منذ إصداره القصصي في عام 1985، لتتوالى بعد ذلك إصداراته القصصية إلى ست مجموعات قصصية، ليطرح بعدها عمله الروائي الأول «كائن مؤجل» في عام 2004، أي أن بنية القصة لم تزل عالقة في كتابته الروائية، وهذه المسألة حصلت لدى كثير من كُتّاب القصة السعوديين الذين تحوّلوا مع موجة الكتابة الروائية إلى كُتّاب رواية، وظن غالبيتهم أنهم قد كتبوا الرواية بالفعل، وهم في حقيقة الأمر يعيشون في وَهم التجنيس الكتابي. * ناقد سعودي.