كتاب أفرهام بورغ «المحرقة قد ولت: علينا النهوض من رمادها»، الصادر حديثاً باللغة الانكليزية، هو أحد الكتب الناقدة لإسرائيل من الداخل، المؤلف هو أحد رموز السياسة الاسرائيلية وينتمي إلى حزب العمل الإسرائيلي، ولكنه اعتزل العمل السياسي في الفترة الأخيرة. الفكرة الأساسية للكتاب هي أن المحرقة أو «الهوليكوست»، وهي المجازر التي ارتكبها نظام هتلر الفاشي في ألمانيا ضد يهود ألمانيا وأوروبا الشرقية في القرن الماضي، خرجت عن إطارها التاريخي والإنساني لتصبح أداة سياسية لتبرير العنف ضد الآخرين، وكذلك لخلق التماسك في الداخل الإسرائيلي، وتبرير العمليات العسكرية العدوانية ضد جيران إسرائيل من الدول العربية. يبدأ المؤلف بعرض الأطروحة الأساسية للكتاب عبر سيرته الذاتية كطفل ولد في فلسطين لأب ألماني وأم يهودية من أصل يمني، وبالرغم من حضور حادثة المحرقة في ذاكرة العائلة إلا أن والده لم يجعلها الفكرة المركزية في ثقافة تربية أبنائه، ولكن المجتمع الإسرائيلي الكبير استطاع أن يحول فكرة المحرقة إلى مركز الهوية اليهودية المعاصرة، ويشير المؤلف إلى أن تغلغل حادثة المحرقة لا يقتصر على المجتمع اليهودي في فلسطين، بل يتخطاه إلى الجاليات اليهودية في الولاياتالمتحدة الأميركية، فتلك الجاليات اليهودية في المنفى كانت تحمل هموماً أساسية هي وضع اليهود في الاتحاد السوفياتي، الدولة اليهودية، والمحرقة، بعد حل المشكلتين الأولى والثانية، أصبحت القضية الثالثة، «المحرقة» محور الهوية في إسرائيل وخارجها، ذلك الهوس بالمحرقة خلق نوعاً من الرهاب الجماعي في الشخصية اليهودية، أفرز حالة من التوجس من العالم غير اليهودي، حتى أصبحت عدوانية الآخر وعدم الثقة به هي الحالة الطبيعية للشخصية اليهودية. حالة الرهاب الجماعي لدى اليهود هي المسؤولة، بحسب تشخيص الكاتب، عن قدرة اليهود على تبرير مبالغة إسرائيل في مجال التسلح وسياسات العنف والتفرقة ضد السكان العرب في فلسطين، يجادل المؤلف بأن الأوضاع السياسية والثقافية في إسرائيل اليوم تشبه إلى حد كبير الظروف السياسية في ألمانيا إبان جمهورية وايمر، التي أفرزت لاحقاً الحركة النازية، ويؤكد المؤلف أن شعور اليهود بالهزيمة والاضطهاد والتهديد أفرز حالة نفسية جماعية تجعل من القوة والعدوانية الأساس الوحيد للسياسة الإسرائيلية في الداخل والخارج، مما جعل المجتمع الإسرائيلي ذا قابلية عالية لظهور الحركات اليمينية، خصوصاً ذات النزعة المتطرفة، إضافة إلى ذلك فإن هناك توجهاً خطيراً لدى يهود العالم باحتكار تجربة الخضوع للمذابح الجماعية على حساب الشعوب الأخرى، مثل المذابح التي تعرض لها الأرمن في بداية القرن الواحد والعشرين. يحاول المؤلف أن يقدم مجموعة من الحلول لخروج الشعب اليهودي من مأزق الهوس بمذابح الهوليكوست أهم تلك الحلول هو فك الارتباط بين الدين وحادثة المحرقة، فتلك الحادثة هي إنسانية بالدرجة الأولى وليست عقوبة إلهية أو خلاصاً إلهياً، ويتطرق المؤلف إلى ما يطلق عليه «اليهودية الجديدة» التي تجعل من الديانة اليهودية ملكاً للتراث الإنساني وليس حكراً على اليهود، من الجانب الآخر يطالب المؤلف اليهود بعولمة تجربة المحرقة لتشمل جميع الشعوب المضطهدة، ولا تكون حكراً على اليهود فقط، والهدف من هذا كله هو دمج الشعب اليهودي بالتجربة الإنسانية الكبرى، وخلق مجتمع يهودي متعايش سليم مع نفسه ومع بقية الشعوب الأخرى في العالم.