يعتبر النسب في ظن الكثيرين أشد ما يجمع، إلا أن أحداثاً تاريخية، برهنت مرات عدة، على أن ثمة عوامل أقوى «ربطاً» وأشد، مثل الدين والوطن والمبدأ. إذ لا يخلو مجتمع من «أشقاء» برتبة أعداء، وفرقاء أنزلتهم القواسم المشتركة، منازل «إخوة النسب». وفي حالة المشائخ محمد بن جبير، وصالح بن حميد، وعبدالله آل الشيخ الذين توالوا على رئاسة مجلس الشورى بعد إعادة هيكلته الجديدة، تبرز نقاط التقاء بينهم، تجعل وصفهم ب «الأشقاء» ليس ضرباً من «المجاملة» أو الرجم بالغيب. وإذا كانت روابط الدين والوطن والمنطقة والمدرسة الفكرية، قواسم واضحة بين الأكابر الثلاثة، فإن حلقات أخرى تربط الأشقاء الذين أوتي كل منهم في ناحيته بسطة، زادتهم قرباً إلى قربهم، فصاروا لا كما تعبر الأمثال، وإنما كما تقول الأرقام «ثلاثة في واحد». أبرز تلك الحلقات «الشيخ محمد بن إبراهيم»، فعلى رغم كون هذا الأخير أب رئيس الدورة الحالية من الشورى فقط، إلا أنه في واقع الأمر «الأب الروحي» لكل دارس للعلم الشرعي وطئ أرض المملكة في عهده، أو في ما تلاه، إذ كان المفتي الأكبر وقاضي القضاة، ومؤسسة دينية متنقلة، تمكن بدعم من ولاة الأمر في بلاده من تأسيس نواة كل المؤسسات الدينية وبعض العلمية التي يتفيأ السعوديون ظلالها هذا اليوم، مثل القضاء، والإفتاء، وتعليم البنات، وجامعة الإمام. وغيرها. تلي حلقة ابن إبراهيم، دائرة العلامة الآخر الشيخ عبدالله بن حميد، صنو ابن إبراهيم، الذي كان أحد شيوخ ابن جبير، ووالد صالح، ثم لا بد من أن يكون رذاذ منه قد مس آل الشيخ، وهو الذي اصطفاه أبوه لأحد أبرز علماء السعودية الراحلين الشيخ عبدالرزاق عفيفي، فأخذ على يديه كثيراً من علوم الشريعة. أما النبع الذي تعاقب عليه الثلاثة وانتسبوا إليه جميعاً، فكان «القضاء»، ففي حين أفنى ابن جبير سائر عمره في التنقل بين درجاته إلى أن تسنّم وزارة العدل، جاءت هذه الأخيرة، آل الشيخ على طبق من ذهب، فقادها في أحرج الظروف بخطوات واثقة. جاء ابن حميد من جانبه إلى القضاء أخيراً ليستكمل ما بدأه من سبقوه، فيلتقي مع سلفه ابن جبير وخلفه آل الشيخ عند زاوية أخرى، كما التقوا ثلاثتهم «تحت قبة الشورى»، رؤساء احتفظ كل واحد منهم بصبغته، وإن كانوا في الجملة «بعضهم من بعض».