لا نذهب بعيداً إذا قلنا إن السياسة الخارجية الايرانية بصيغتها «الروحانية» يؤثر فيها شخصان، محمد جواد ظريف وزير الخارجية، وقاسم سليماني قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري. الأول خاض مفاوضات صعبة مع المجموعة الغربية السداسية منذ تسلمه حقيبة وزارة الخارجية عام 2013 ونجح في التوصل إلى الاتفاق النووي لإنهاء حقبة مريرة من المقاطعة السياسية والاقتصادية لإيران خلال 12 عاما، وذلك على قاعدة « رابح رابح»، فاستطاعت إيران أن تكسب اعتراف الأسرة الدولية ببرنامجها النووي وتحديدا تخصيب اليورانيوم، مقابل الاستغناء عن التخصيب المرتفع وإعادة صوغ مفاصل في البرنامج النووي بما يزيل قلق المجتمع الدولي من عواقب عسكرية. أما الثاني، الجنرال قاسم سليماني، فقاد «محور الممانعة والمقاومة» بحسب التصنيف الإيراني، ابتداء من لبنان حيث يحتفظ بعلاقات وثيقة مع قادة هذا المحور منذ أكثر من عقدين، مروراً بالعراق وسورية وفلسطين وانتهاء باليمن. امتازت سياسة ظريف بتسويق «الابتسامة الإيرانية» التي ترسمها حكومة الرئيس حسن روحاني والتي تدل على عزمها فتح صفحة جديدة في العلاقات الخارجية تتزامن مع رفع العقوبات السياسية والاقتصادية عن إيران. وفي الحقيقة أن ظريف نجح في تجسيد سياسة روحاني الذي رأى فيه منجزاً لأهداف السياسة الخارجية، بما يقلل المخاطر التي تتعرض لها إيران بسبب التشدد في المواقف. ويرى ظريف أن العمل السياسي ذو وجهتين، تعطي بيد لتأخذ باليد الأخرى. بمعنى التعاطي الإيجابي مع الآخر في داخل الإقليم أو خارجه. ويرى روحاني أن مثل هذه السياسة، وان كانت مختلفة عن نظريتها في العقود الثلاثة الماضية، تنسجم مع التطورات التي شهدتها إيران خلال تلك العقود وأهّلتها للتعاون مع الأسرة الدولية بندية، وفقاً للإمكانات الأمنية والسياسية والاقتصادية، واستناداً للظروف الجيواستراتيجية التي تتمتع بها، إضافة إلى التأثير في المناخ الأمني المعادي لإيران في المنطقة. أما الجنرال قاسم سليماني، فقد لعب في ساحات أخرى اختلطت فيها الأوراق الأمنية والعسكرية وطغت معادلات توازن القوى. مرة مع إسرائيل، والأخرى مع "داعش" و "النصرة"، والثالثة مع دول وحكومات، والرابعة مع أجهزة أمنية واستخبارية في المنطقة وخارجها، في معادلة معقدة، واستطاع في نهاية المطاف أن يمسك بأوراق مهمة للسياسة الإيرانية ومصالحها على حد سواء. ولا يخفي سليماني أهداف فيلقه الذي يعمل خارج الحدود الإيرانية، فهو يريد المنازلة في ساحات خارج الحدود بدلاً من المنازلة داخل الأراضي الإيرانية. وهو أبعد المخاطر عن إيران، خصوصاً من إسرائيل أو الولاياتالمتحدة. أبعد فكرة غزو إيران لدى الحكومات اليمينية المتطرفة في إسرائيل، ولدى المحافظين الجدد في الولاياتالمتحدة الذين روضوا أفكارهم على الهجوم على إيران بعد العام 2003. وعندما تقول أوساط إقليمية إن أقوال إيران لا تنطبق مع أفعالها، فهي تشير بوضوح إلى السياسة التي تتبعها وزارة الخارجية الإيرانية مقارنة مع السياسة التي يتبعها فيلق القدس في دعمه "حركات الممانعة والمقاومة" في مناطق متعددة من الإقليم والتي تتناقض مع جهود تبذلها وزارة الخارجية لترطيب الأجواء مع دول هذا الإقليم، وتحديداً مع دول مجلس التعاون الخليجي. الإيرانيون يعتبرون أن برامج فيلق قدس منسجمة مع التطورات الإقليمية، وهي ليست بعيدة من السياسة التي ترسمها وزارة الخارجية لعلاقات إيران مع الإقليم وخارجه، وهي تسير بشكل منظومة واضحة لا تتقاطع فيها المصالح والتصورات. وبالتالي فما يقوم به قاسم سليماني لا يتقاطع مع جهود جواد ظريف في سياسته الخارجية. ويسود الاعتقاد أن سياسة إيران الخارجية التي لا تصاغ فقط في أروقة الوزارة، تأخذ في الاعتبار المصالح الإيرانية والإمكانات المتاحة من اجل توظيفها في تحقيق هذه المصالح.