يتداول الكبار والصغار في السعودية أساطير فاتنة الجن «السلعاة». إلا أن هذه الأحاديث ليست حصراً على السعوديين وحدهم من بين العرب. ووثق باحثون سعوديون، أن بطون كتب التراث هي الأخرى مشغولة برواية عجائب وغرائب هذه «الفاتنة»، التي أثارت رعب الصغار، ومعاني الفتوة في أذهان رجال، كانوا يرون مواجهة «السلعاة» بطولة، لا يقدر عليها إلا الشجعان. وقال محمد سعيد (88 عاماً)، ل«الحياة»: «إن «السلعاة» خرجت لوالدي في إحدى أودية ضلاع في عسير، بجوار نبع في الوادي، إذ وجدها واقفة بجوار شجرة كبيرة تسمى «عرج»، وكانت جميلة طويلة، ذات أثداء طويلة، ترمي بها على كتفيها من شدة طولها، وأبلغني والدي أنه لم يخف منها، بل ذهب يقترب منها، للتأكد من هذا المخلوق العجيب بالغ الجمال، وكان لدى والدي «جنبية» تشبه السيف، وعندما شعر بأنها جان ومخلوق غريب، أخرج سلاحه، فذابت كالهواء واختفت». ويتقاطع معه عيسى سعيد (90 عاماً)، الذي قال: «نسمع عن «السلعاة» منذ طفولتنا، وتظهر للجبناء في الأودية والجبال والأماكن المهجورة، وتركب على ظهر الجبان، وتهرب وتختفي أمام الشجاع، وتعرف ذلك من الشكل والرائحة، ولم نشاهدها بأم العين. ولكننا سمعنا أن بعض أجدادنا شاهدوها في أماكن متفرقة من أودية عسير، خصوصاً في تهامة». إلا أن الباحث إياد العطار، أكد أن أساطير «السلعاة»، «ليست إلا ترديداً لصدى صناعة الخرافة الغربية، التي غذتها السينما في القرن الماضي». وقال ل«الحياة»: «لسنوات وأنا أقوم بترجمة وكتابة القصص عن الأشباح والمستذئبين ومصاصي الدماء وغيرها من المخلوقات المخيفة التي تتداخل عوالمها الغامضة أحياناً مع عالمنا المادي، فتثير في قلوبنا خوفاً وهلعاً عظيماً». ولفت العطار إلى أن «غالبية هذه القصص جرت وقائعها في بلاد الغرب، وكتبت عنها الصحف هناك، وتحول بعضها إلى أفلام رعب مشهورة، فطار صيتها، واشتهرت في جميع أرجاء المعمورة». وزاد: «وسط هذا الكم الهائل من الرعب الغربي أتساءل أحياناً حول سبب خلو الشرق القديم من مخلوقات خارقة القوى كتلك التي نشاهدها في السينما، أليس غريباً أن تخلو بلادنا من مصاصي الدماء والأشباح والمستذئبين وغيرها من الكائنات الغامضة؟ أم أن وسائل إعلامنا الضعيفة، هي السبب في بقاء فلوكلورنا الثري مجهولاً ومنسياً حتى بالنسبة إلينا؟ أما «السلعاة» فهي خرافة قاومت الزمن، إنها ذات ال«سعلوة» أو «سلعوة» التي تخوف الأمهات بها أولادهن في بعض البلدان العربية». ويغلب على ظن العطار أن «العرب استوحوا أحاديثهم عن «السلعاة» من فلوكلور وأساطير الأمم الأخرى، حين ما كانت قوافلهم التجارية تسير بين أطلال الحواضر العظيمة في مصر والعراق والشام، بالتأكيد شاهد أولئك التجار العرب صوراً مخيفة لمخلوقات جبارة، تجمع بين صفات البشر والحيوانات، منقوشة على جدران وهياكل المعابد الفرعونية والبابلية، ولا بد أنهم تذكروا تلك النقوش المخيفة بينما كانوا يسيرون وسط الصحراء تحت جنح الليل البهيم، عائدين أدراجهم نحو مدنهم البعيدة، مثل مكة ويثرب والطائف». وفسر الباحث التاريخي ذلك بأن «القدامى أيضاً آمنوا بحقيقة وجود الغول والسعلاة والعنقاء والشق، وغيرها من الوحوش التي نسميها اليوم خرافة، آمنوا بوجودها وذكروها في كتبهم، فالمسعودي أورد بعضاً من أخبارها في كتابه «عجائب الزمان»، فقال: «ومنهم - أي السعالي - من تظفر بالرجل الخالي في الصحراء أو الخراب، فتأخذ بيده فترقصه حتى يتحير، ويسقط فتمص دمه». أما القزويني، فيروي العطار، أنه كتب أيضاً عن السلعاة في مؤلفه «عجائب المخلوقات»، قائلاً: «ومنها السعلاة، وهي نوع من المتشيطنة متغايرة للغول، وأكثر ما توجد السعلاة في الغياض (تجمعات المياه)، وهي إذا ظفرت بإنسان ترقصه وتلعب به، كما يلعب القط بالفأر، وربما اصطادها الذئب بالليل فأكلها، وإذا افترسها ترفع صوتها، وتقول: أدركوني فإن الذئب قد أكلني. وربما تقول: من يخلصني ومعي ألف دينار يأخذها، والقوم يعرفون أنه كلام السعلاة فلا يخلصها أحد، فيأكلها الذئب». واستنتج الباحث العطار ما كتبه القزويني أن «قوى السعلاة الخارقة تخور أمام حيوان مفترس، مثل الذئب، فهي إذاً مخلوقة يمكن قتلها، والتخلص منها». وبين أطرف أخبارها، بحسب المؤرخين «عشقها رجال الإنس، فربما خدعتهم ليتخذوها زوجة، وربما أنجبت أطفالاً، مثل ما ورد في بعض الحكايات، عن الجاحظ، الذي روى أن قوماً تزوج رجل منهم «السعلاة»، وأنها كانت عنده زماناً، وولدت مِنه، حتى رأت ذات ليلةٍ برقاً على بلاد السعالي، فطارت إليهن».