عايض الميلبي كنت أظن أن «السعلية» لا تعدو كونها مجرد خرافة ينقلها الأجداد للأحفاد، لكن بعد تأمل وتمحيص وتقصٍّ وصلتُ لقناعة شخصية أن ثمة أساساً لما نسمعه من القصص والحكايات المتعلقة بالمخلوق العجيب الذي يفترس البشر، المسمى ب»السعلية». وما يدعم ما وقر في ذهني حول هذا الشأن أمور عدة، منها ذِكر كتب التراث العربي هذا المخلوق الذي أُطلق عليه «السعلاة» و«السعلوة». ووصف هذه الكتب للسعالي يشبه إلى حد كبير ما نسمعه من كبار السن الذين منهم من نقل عمن له تجربة شخصية مع هذا الكائن. وبالاستناد على التراث الشعبي نستخلص أن «السعلية» مخلوق مخيف، غريب الشكل، يقطن أماكن خاصة، يقتات على افتراس البشر. وقد حُكي أن صنفاً من السعالي على هيئة نساء، تزوّجت رجالاً من الإنس، وأنجبت منهم، ثم ذهبت إلى غير رجعة. وحتى نقترب أكثر من الحقيقة الغائبة، وتضارب الأنباء والقصص، وتباين وجهات النظر حول هذا الكائن ما بين مصدق ومكذب، نذكر قصة شهيرة سبرتُ بعض تفاصيلها ووقفتُ شخصياً على آثارها. وهي تلك المعروفة ب«سعلية بواط»، حيث اتخذت «السعلية» من مغارة في «وادي بواط» مقراً لها، قرب إحدى الآبار التي سُميت فيما بعد ب«بئر السعلية»، وفي الماضي كان «وادي بواط» شرياناً رئيساً تسلكه القوافل القادمة من ينبع البحر وينبع النخل والمتجهة إلى المدينةالمنورة. وعندما شاع خبرها بعد افتراسها كثيراً من المارة، أثارت هلع القاطنين حولها، مما دفعهم للتفكير في ضرورة التخلص منها، فحددوا مساحة من الأرض «خيف»، تزخر بالنخيل والعيون الجارية، لمن يأتيهم برأس مفترس البشر. ورغم خطورة المهمة إلا أن شجاعة رجل يُدعى «حسين» جعلته يخاطر بحياته، ويذهب إلى حيث يسكن الوحش الغامض، فيهاجمه بسلاحه، وينجح في مهمته، ويعود برأس «السعلية» شاهداً على ما فعل، لينال الجائزة الكبرى. علماً بأن «خيف حسين» مكان معروف في ينبع النخل، و«غار السعلية» في سفح جبل في «وادي بواط»، ويذكر كبار السن أنه كانت تفوح منه روائح كريهة. بعد هذا التطواف السريع يتبين لي أن حكايات مفترس البشر الذي ظهر في مناطق مختلفة سواء في المنطقة العربية أو غيرها، ليست كلها أساطير وأوهاماً، بل إن ثمة حقيقة غير أنها لاتزال لغزاً مهما قال القائلون، وفي خضم تعدد الآراء وتناقضها، أعتقد أن «السعلية» تنتمي لعالم الجن، قادرة على التشكل والظهور بهيئة معينة، أو هي مزيج من عالمَيْ الإنس والجن، والله أعلم.