استعادت العاصمة الفرنسية نشاطاتها كعاصمة عالمية للثقافة والفنون في أيلول (سبتمبر) الجاري. وفي هذا الإطار، أقيمت الدورة الثانية ل «بينالي المهن الفنية والإبداع» في «متحف القصر الكبير» وحلّت فيه كوريا الجنوبية ضيفة شرف، بموازاة مشاركة مجموعة من الدول من مختلف القارات ومنها فرنسا وإيسلندا وإيطاليا والدنمارك واليابان والتشيلي والسنغال. أما الحضور العربي فكان ممثلاً بتونس التي حضرت مع مجموعة من مبدعيها المعاصرين. الهدف من هذا البينالي هو إبراز دور المهن الفنية القائمة على الحرفة في التعامل مع المواد المختلفة كالمعادن والخزف والأقمشة والخشب والزجاج، وهي تعكس إبداعات المصممين المعاصرين في مختلف المجالات ومنها الأثاث والحلي والصحون المتنوعة الأحجام والأشكال وأدوات الإضاءة... يكشف البينالي كيف أنّ المصممين والحرفيين المعاصرين ليسوا عالماً مغلقاً قائماً على تكرار تجارب سابقة وقديمة من دون إبداع، بل هم منفتحون على التجارب والتقنيات الجديدة، يصغون إلى تحولات عصرهم، وهذا ما يفسر حضورهم الطاغي في العمارة والهندسة الداخلية، وفي كل ما يتعلق بالنشاطات الإنسانية. في فرنسا نحو أربعين ألف شركة مخصصة للمهن الفنية وتقدّر مبيعاتها بثمانية بلايين يورو. غير أن الجمهور العريض ما زال يجهل كيفية عمل هؤلاء المصممين وأصحاب الحرف. من هنا أهمية بينالي هذا العام الذي استقطب أربعين ألف زائر من جنسيات مختلفة وسمح بالتعرف إلى مصممين مبدعين جمعوا في نتاجهم مؤثرات متنوعة تجمع بين الشرق والغرب والحداثة والمعاصرة، مع الاستيحاء من التقاليد المحلية القديمة. وبموازاة مشاركة صالات العرض والمصممين، أقيمت مجموعة من الندوات تمحورت حول مستقبل المهن الفنية ودورها الاقتصادي وموقعها في سوق الفنون، وكذلك علاقتها بالتقنيات الرقمية. وجاء الحضور التونسي ليبين للجمهور الذي زار البينال أن للعالم العربي وجهاً آخر غير ما تتداوله وسائل الإعلام من صور القتل وتدمير الصروح المعمارية وقوارب موت اللاجئين الفارين من الجحيم. أعمال المبدعين التونسيين متنوعة في تقنياتها وتوجهاتها الجمالية. فالفنانة صديقة كسكاس شاركت من خلال مجموعة من ألواح المكعبات الزجاجية التي جاءت على شكل شواهد وجدران. ومعروف عن هذه الفنانة أنها تتقن النفخ في الزجاج الذي تعلمته في مدينتي البندقية ومورانو الإيطاليتين وهي تناضل من أجل تحديث الفنون الحرفية التونسية وإطلاقها كفنّ حي في العالم. أما الفنانة فريال لخضر فشاركت بمنحوتة تمثل امرأة جالسة على كرسي في شكل جامد، وهي مكتوفة اليدين وتنظر في شكل ثابت إلى الأمام. تعتمد هذه المنحوتة على تقنيات مختلفة مع التركيز على الألوان والأقمشة الحارة والروح الساخرة، وكل ذلك عبر أسلوب حديث يبهر العين. من النحت إلى الفنون الخزفية مع الفنان خالد بن سليمان الذي درس في تونس وإسبانيا وفي اليابان، وكان للفنون اليابانية أيضاً تأثير مهم على توجهاته. كذلك يستوحي من الفنون العربية والإسلامية ومنها الخط العربي والفنون المحلية التونسية وهو يتمتع بشهرة عالمية كخزاف ويشارك باستمرار في معارض متاحف عالمية ومنها المتحف البريطاني في لندن. تحضر أيضاً أعمال ريم القروي المستوحاة من الواقع التونسي، وهي بمثابة صرخة ضد الظلم وقمع الحريات. أما مراد حبلي فهو نحات يتقن التعامل مع المعادن ويستوحي من الأساطير اليونانية التي تعكس توقه إلى الحرية. باختصار، تقدم المشاركة التونسية صورة حية عن الإبداع التونسي المعاصر بأصواته المختلفة.