سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
إحداثنا للتغييرات في بنية وشكل بينالي الشارقة ينسجم مع مستجدات ومتغيرات الفنون البصرية الشيخة حور القاسمي رئيس مؤسسة الشارقة للفنون في حوار ل(الجزيرة):
بينالي الشارقة تجمع للفنون البصرية.. إماراتي الولادة.. مسقط رأسه الشارقة.. خليجي الهوية.. عربي الانتماء.. لم يكن ليقام لولا بعد نظر قائد مسيرة الحضارة في الشارقة صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة واهتمامه بالثقافة بكل تفاصيلها ومنها الفنون البصرية التي أسس لها هذا البينالي الذي لفت الأنظار منذ انطلاقته.. وحرك الساكن في نمط المعارض والمسابقات المعتادة.. جمع الفنون من مختلف أقطار العالم وأطلقها من على ضفاف الخليج العربي إلى أعين الآخرين في كل أنحاء الأرض كحمامات سلام.. بقدرات تكاملت فيه أضلاع النجاح.. فكرة.. ودعم معنوي ومادي.. وطاقات بشرية.. جذب بها المهتمين.. وقرب مسافات المبدعين في العالم، صنع بها عقدا من الفنون المتعددة الأساليب والمدارس وتبنى بها نشر ثقافة بصرية.. آمنة الجانب.. محافظة على القيم.. مانحة الكثير من الحرية المنضبطة.. بينالي الشارقة. سابق الزمن إلى مستقبل أكثر بحثا عن الجديد في عالم الفنون البصرية دون إغفال أو انحياز لفن دون فن، فالفكرة هي سيد الموقف والقيمين على البينالي هم أصحاب القرار. من هنا نأخذ قسطا من مشوار متابعتنا لهذا البينالي الذي سعدنا في جريدة الجزيرة ممثلة في قسمها الثقافي وصفحات الفنون التشكيلية أن نكون مع المحتفلين بافتتاح عدد من دوراته حضورا وتغطية إعلامية أتاحت لنا فرصة رصد مسيرته، ومع ذلك لا نتوقف عند معلومة سابقة بقدر ما نبحث عن الجديد فيه، لهذا حظينا بهذا الحوار الخاص من سيدة البينالي الأولى، الساعية إلى تطويره فأصبح بما قدمته وقامت به سمة لكل دورة من دوراته.. سمو الشيخة حور بنت سلطان القاسمي رئيسة مؤسسة الشارقة للفنون التي تفضلت بالإجابة على جزء من التساؤلات التي تدور في أذهان الكثير من التشكيليين على مستوى الخليج والعالم العربي تجاه البينالي الرمز. سؤالنا الافتتاحي ينطلق من مرحلة التطوير بعد تسلم الشيخة حور مهام رئاسة البينالي والإشراف عليه عام 2003م بعد عشر سنوات من انطلاقته.. - تقول سمو الشيخة حور، لقد بدأ البينالي ومنذ انطلاقته الأولى عام 1993، برؤية واضحة لما يمكن أن يقوم به البينالي بأهمية التعريف بالفنون البصرية على المستوى المنطقة والعالم، وبما يشكل نسيجاً متكاملاً ومترابطاً مع المشروع الثقافي الكبير الذي تجذر وتأصل في الشارقة، على امتداد مسيرتها المعرفية والثقافية، وأعتقد أنه لا يمكن قراءة البينالي منفصلاً عن تاريخه وتبلوره وتطور آليات عمله، أما عن مرحلة إشرافي على سير عمل البينالي والتي ابتدأت منذ عام 2003، فقد ارتأيت إحداث بعض التغييرات في بنية وشكل البينالي بما ينسجم مع المستجدات والمتغيرات في الفنون البصرية، كما أصبح اختيار الفنان يتم عن طريق قيّم يتم تكليفه من قبل البينالي للقيام بهذه المهمة، على نقيض آلية الاختيار السابقة التي كانت تتم عن طريق التمثل الرسمي من قبل الدول المشاركة في البينالي وعن طريق أجنحة خاصة في كل دولة.. من هنا أصبحت ثمة نقطة تحوّل في الخروج من الرسمية والنمطية بالتعامل، والتوجه مباشرة إلى الفنان، الأمر الذي أتاح لنا فرصة إشراك سوية عالية من الفنانين ضمن عروض بينالي الشارقة.. أما عن الجديد فنحن نقيم رهاننا دائماً على التجدد والتجاوز والبحث عن وسائل وبرامج أخرى تطور من عملنا وتوسع دائرة اشتغالنا في القطاع الفني. وعن طرح البينالي ثيمة معينة لكل دورة وما تؤدي إلى فتح المجال الرحب للمبدعين في تقديم أعمالهم. وكيفية اختيار هذه الثيمة؟ وكيف يمكن أن تسهم في التعبير عن موضوع ما دون تقييد للمبدعين والحد من مضمون عطائهم؟ - أجابت سموها أن اختيار الثيمة أمر يعود للقيمين، والثيمة أو الموضوع الناظم للأعمال، هو ليس بالضرورة مقياس صارم يتم تحديد مواصفات محددة للعمل من خلاله، إنما يمكن أن يعطي مناخاً متناغماً وسياقاً منسجما لكافة العروض المشاركة في البينالي.. وهنا تكمن قدرة القيمين على اختيار الفنانين الذي يمكن لهم أن يغنوا بتجارهم وعروضهم هذا البينالي أو ذاك، كما يمكن للموضوعة بحد ذاتها أن تخلق توجهاً واضحاً ومغرياً بحيث يتيح للفنانين محاكاته والتعبير عنه بمقاربات إبداعية مختلفة، وقراءات متباينة ومتنوعة لموضوع محدد، كما يمكن تكليف بعض الفنانين بإنتاج أعمال خاصة للبينالي وفق قراءاتهم الخاصة لطبيعة وخصوصية كل دورة وبالتالي يمكن أن تفتح مجالات أخرى للتعبير الفني، ومبادرات إبداعية تعالج موضوعات أو مفاهيم معينة. حول الحفاظ على القيم والمبادئ للمجتمع التي لا يختلف عليه أحد في ظل موجة العولمة التي اجتاحت كل مناحي الحياة ومنها الإبداع، سألنا سمو الشيخة حور عن كيف استطاعت في البينالي الجمع بين هذا الجانب وبين الانفتاح على المبدعين الذين يمثلون الكثير من الثقافات؟ - فجاءت إجابة سموها: لقد كانت واضحة جداً بالنسبة إلينا أهمية أن تحافظ رسالة الفن على القيم والمفاهيم التي تمثل هويتنا الحضارية وعاداتنا وأعرافنا الاجتماعية، ووفق وعينا لتلك الخصوصية بإمكانية إغنائها وتطويرها وتفاعلها مع الحضارات الأخرى، وربما في الجانب الإبداعي يمكن أن نؤكد على هويتنا الإبداعية من خلال الحوار الخلاق مع الأنماط التعبيرية والفنية المختلفة في العالم.. لا أجد مشكلة أو صعوبة بالانفتاح والحوار من جهة، وبالحفاظ على ثوابت وأساسيات تشكل رؤيتنا وأهدافنا مما نريده في مؤسسة الشارقة للفنون وفي بينالي الشارقة بالتحديد.. خصوصاً أن الشارقة قد أرست مشروعاً ثقافياً عربياً مشهوداً يستطيع أن يختزن ويتعامل مع كافة الأنماط الإبداعية والثقافية طالما تنتمي إلى المشروع الثقافي الإنساني بشكل عام. سألنا سمو الشيخة حور عن سبب تدني عدد المشاركين من الفنانين العرب والخليجيين في البينالي خلاف ما كان عليه حضورهم عند انطلاقة البينالي وكيف يمكن تجاوز هذا الموضوع مع علم الجميع بحرص سموها على الفن الخليجي والعربي؟ - قالت الشيخة حور: نعم لقد حرصنا على تواجد الفنان العربي والخليجي، ولا زلنا حريصين عليه، ونتمنى أن نقدم تجارب هامة لمبدعين عرب، وأن نراها معروضة في أهم محافل الفن الدولية والعالمية، إلا أن اختيار الفنانين يتم من قبل القيمين كما أسلفت، ولا نستطيع التدخل باختياراتهم فلهم مطلق الصلاحية بتقديم ما يرونه مناسباً وهذه الآلية تتيح قدرة أكبر على تطور البينالي، لكن رغم ذلك فهناك العديد من التجارب الفنية التي قدمها البينالي من فنانين محليين وعرب وخليجيين يفخر البينالي بهم ويتمنى أن يقدم المزيد والمزيد طالما أن الشرط الإبداعي والسوية العالية يتوافران في العمل.. وهنالك آليات جديدة نفكر بها ويمكن أن تتيح قدراً أكبر لمشاركة الفنانين المحليين والمقيمين في الإمارات وذلك من خلال توفير إمكانية اطلاع القيمين على أغلب الفنانين المتواجدين في الساحة الفنية المحلية، ومن هنا يمكن أن نضمن إشراك عدد أكبر، ونتمنى في المرحلة المقبلة أن يحقق الفنان العربي تواجداً حقيقياً ومنصفاً على المستوى العالمي، خصوصاً وأن العديد من المبدعين أصبح لهم الآن شهرة في الأوساط الدولية سواء عن طريق التعريف بهم من خلال البينالي، أو من خلال فعاليات فنية أخرى في المنطقة. جمع البينالي بين مختلف الأساليب والأنماط التعبيرية الإبداعية يعني إزالة التشكيك في ما يعتقد من إبعاد اللوحة والمنحوتة واستبدالها بالأعمال المفاهيمية.. ما هي الشروط التي يتم وفقها اختيار الأعمال؟ - تضيف الشيخة حور تعليقا على هذا القول: إن اختيار الأعمال يتم وفق سوتها الفنية واشتراطاتها الإبداعية التي يراها الفقيمون مناسبة للعرض. أما عن الأنماط التعبيرية المختلفة، فقد كنا حريصين ومنذ البداية على إشراك جميع الأنماط سواء المتعارف عليها أو الفنون الجديدة طالما أنها تقدم رؤية معاصرة وجديدة، وطالما أنها استطاعت أن تعبر عن روح هذا العصر، والبينالي يتعامل مع طبيعة عروضه من واقع مسؤوليته بتقديم التجارب التي تنطوي على البحث والتجريب، والتي يمكن أن تقدم إضافة إلى واقع الفنون البصرية في عالمنا العربي. حول كيفية تهيئة مجتمعاتنا التي اعتادت على نوعية معينة من الفنون، لقبول مساحة التعبير في الفنون الحديثة المعتمدة على التقنيات الرقمية والفيديو وكافة أشكال الوسائط والميديا، والتي أحدثت هوة بين الجمهور والعمل الفني ولا سيما في الخليج العربي؟ - تقول الشيخة حور: لا شك أن ثمة هوة بين الفنون المعاصرة والمتلقي والتي تعود إلى أسباب عديدة لها على علاقة بطبيعة هذه الفنون وانطوائها على الكثير من الجوانب الفاهيمية، وإلى طبيعة وعي المتلقي بهذه الفنون ومدى تقبله لها، ولكن أصبحنا نشهد أن هذه الهوة بدأت تتقارب وتضيق في الآونة الأخيرة، وهذا يترافق مع انتشار هذه الفنون بين أوساط الفنانين الشباب، إلى جانب وجود محاولات جادة لخلق وعي فني بصري في صفوف المهتمين والمتابعين، ومن جهتنا في مؤسسة الشارقة للفنون، فلدينا العديد من البرامج التي يمكن أن تسهم بهذا الجانب، مثل البرنامج التعليمي الرامي إلى إشراك جميع طلبة لمدارس والجامعات بحوار خلاق وديناميكي مع المعارض والبرامج الفنية التي يقدمها البينالي، وإشراكهم أيضا بعملية إنتاج بعض الأعمال الفنية والورش التخصصية التي يشرف عليها فنانون محترفون وخبرات احترافية عالية. وعن الخوف من أن تؤدي هذه الفنون المعاصرة التي بدأت بالانتشار إلى طمس هويتنا التشكيلية؟ - ختمت الشيخة حور إجاباتها قائلة: أعتقد أن العكس يمكن أن يحدث، فهويتنا الإبداعية والحضارية لا تتعارض مع الهويات الفنية الأخرى وأساليب التعبير المتنوعة ومهما كانت أنماطها، ولا يوجد احتكار أو انحياز لنمط إبداعي معين دون سواه، إن الذات الإنسانية متنوعة ومتعددة في أساليبها التعبيرية ومخرجاتها الجمالية وبالتالي يمكن أن تغني بعضها البعض من خلال تجاورها وتآزرها كمنظومة إبداعية يمكن لها أن تتكامل في حيز بصري واحد أو سياق بيئة اجتماعية أو ثقافية تتسم بالغنى والتنوع.