حقّق الرئيس الأميركي باراك أوباما إنجازاً سياسياً وتشريعياً ضخماً، بنجاحه في انتشال الاتفاق النووي المُبرم بين إيران والدول الست، من عتبة الكونغرس وفرضه أمراً واقعاً من الناحية القانونية في الولاياتالمتحدة، من دون استخدامه حق النقض (فيتو)، بعد فشل الجمهوريين في نيل أصوات تكفي لإجهاضه. نصر أوباما تحقّق، على رغم إنفاق معارضي الاتفاق أكثر من 40 مليون دولار على حملة إعلامية لتعطيله. وعَكَسَ التصويت دلالات حزبية، في التفاف الديموقراطيين حول رئيسهم، وحقيقة التوازنات السياسية في العاصمة الأميركية. وفشلت إسرائيل في عرقلة الصفقة، على رغم معارضتها الشرسة وتحرّكها منذ عام 2013 لتعطيلها، عبر «لجنة العلاقات العامة الأميركية – الإسرائيلية» (آيباك)، أبرز لوبي مؤيد للدولة العبرية في الولاياتالمتحدة، ومجموعات ضغط أخرى، وفي خطاب رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو في آذار (مارس) الماضي أمام الكونغرس. وفشل الجمهوريون في جمع 60 صوتاً في مجلس الشيوخ، لطرح مشروع برفض الاتفاق، بعدما أيّده 42 سيناتوراً ديموقراطياً. وأتاح ذلك للديموقراطيين قطع الطريق أمام التصويت، ومنع المشروع من الوصول الى البيت الأبيض، فجنّبوا أوباما استخدام ال «فيتو» وإعادة المشروع إلى الكونغرس. وبذلك سيصبح الاتفاق نصاً قانونياً تعتمده الولاياتالمتحدة بعد 17 الشهر الجاري، وفق القرار الرقم 2231 الذي أصدره مجلس الأمن، مصادقاً على الاتفاق. كما أن ذلك سيُجنّب الإدارة والولاياتالمتحدة معركة زمنية وتشريعية لتمرير الاتفاق، ويبدّد أي شكوك حول تطبيقه. ووصف أوباما التصويت بأنه «نصر للديبلوماسية والأمن القومي الأميركي، ولسلام العالم وأمنه»، معتبراً أن تصويت أعضاء مجلس الشيوخ سيتيح أن «تعمل الولاياتالمتحدة مع شركائنا الدوليين، والتمكّن من تطبيق الاتفاق». وأضاف: «تفاءلت بأن هذا العدد الضخم من أعضاء مجلس الشيوخ رأوا مزايا الاتفاق، وأشكر المشرعين والمواطنين على تأييدهم القوي» للصفقة مع طهران. ورأى الرئيس الأميركي أن النقاش الذي شهدته الولاياتالمتحدة حول الاتفاق هو «الأكثر مصيرية منذ حرب العراق» عام 2003، منبهاً إلى أن الامتحان المقبل هو في «تطبيقه والتحقّق من ذلك، لمنع ايران من امتلاك سلاح ذري». وبما أن الاتفاق النووي لم ينل غالبية تشريعية، بل مُرِّر بقطع التصويت، سيكون على أوباما توقيع مراسيم خاصة، بعضها فصلي وآخر شهري، لمنع تطبيق العقوبات المفروضة على إيران، والتي يتيح الاتفاق رفعها. لكن الجمهوريين تعهدوا إجراء تصويت جديد، اذ قال زعيم الغالبية في مجلس الشيوخ ميتش ماكونيل: «سنراجع المسألة الأسبوع المقبل، لنرى هل أن أياً من (أعضاء المجلس) يريد تغيير رأيه» والتصويت لمصلحة رفض الاتفاق. وشدد على أن الاتفاق «سيمنح إيران القدرة على تخصيب اليورانيوم، فيما يكرر القادة الإيرانيون دعوتهم الى تدمير إسرائيل ويرجون دمارنا». أما الرئيس الجمهوري لمجلس النواب الأميركي جون باينر فشدد على أن «النقاش لم ينتهِ»، مضيفاً: «إنها البداية». وتابع: «هذه صفقة سيئة، تمتد عواقبها على عقود طويلة، وتمسّ أمن الشعب الأميركي وحلفاءنا. وسنستخدم كل الأدوات في تصرّفنا، لوقف الاتفاق وإبطائه وتأخير تطبيقه في شكل كامل». وعلّق باينر على تلويح الجمهوريين برفع دعوى على أوباما لوقف الاتفاق، بحجة أن الرئيس الأميركي أخلّ بواجباته إزاء الكونغرس، أو ربط التشريعات المتعلقة بإيران، بمشروع قانون تمويل الإدارة، معتبراً الأمر «خياراً محتملاً جداً». وتحدث عن مراجعة الاتفاق مع طهران، إذا انتُخب جمهوري رئيساً للولايات المتحدة العام المقبل. لكن زعيم الأقلية الديموقراطية في مجلس الشيوخ هاري ريد اعتبر الأمر «منتهياً»، مُنبهاً الجمهوريين إلى وجوب الامتناع عن «إضاعة الوقت».