لكل فضائية هوية بصرية خاصة يفترض أن تميزها عن سواها. وتتمثل في شكل اللوغو (الشعار) الذي تُعرف به القناة، ومكان تموضعه على الشاشة، وشكل الفواصل، والتصميمات الغرافيكية التي ترافق هذا البرنامج أو ذاك، وطريقة عرض الشريط الإخباري، أو الخرائط والمصورات، والنسب المئوية، ونوعية الخط المستخدم، وحجمه، والألوان التي تطغى على عمق الاستوديو وفضائها، والشكل الذي يقدم من خلاله المداخلات الهاتفية، وطريقة تقسيم الشاشة لدى ظهور أكثر من ضيف... وسوى ذلك من التفاصيل البصرية التي تمنح مضمون المادة نوعاً من الجاذبية، وتمنح القناة خصوصية بصرية. اخيراً لجأت غالبية الفضائيات العربية المعروفة إلى تغيير هويتها البصرية بقصد الجذب، تماماً كما تفعل الشركات التجارية التي تسعى الى كسب المستهلك عبر اعتماد علامة تجارية ذات جاذبية. والواقع أن أحداً لا يستطيع التقليل من قيمة الهوية البصرية وأهميتها في استمالة المشاهد، وهي مسألة شديدة التعقيد، وتخضع لنظريات علمية، وتنجز وفقاً لدراسات واحصاءات، وتعتمد على الفلسفة الجمالية، وعلى سيكولوجية المشاهدة. ولكن يبدو ان ذهنية الفضائيات العربية تختزل الأمر برمته في الإضاءة المتوهجة المزعجة، أو الخافتة المضجرة، وفي مجموعة من الألوان الكئيبة، أو الألوان الزاهية، البرّاقة التي تلمع وسط ديكور صاخب يشتت الذهن، ويربك العين. ووسط هذا الكرنفال اللوني المتداخل، غير الموفق غالباً، ثمة تجاهل لقضية جوهرية أخرى يفترض أن تترافق مع تغيير الهوية البصرية، ونقصد محتوى البرامج ومضامينها. فغالبية الفضائيات العربية تسعى إلى تغيير الشكل بين حين وآخر، لكن لغتها وخطابها الإعلامي، ومضامين البرامج تبقى كما هي. ومع الإقرار بأن التلفزيون هو وسيلة بصرية بالدرجة الأولى، لكن ذلك لا يلغي ما يقدمه هذا البرنامج أو ذاك من معارف ومعلومات، وما يطرحه من إشكاليات وسجالات، لا سيما وأن المشاهد، وفي ظل وفرة الوسائل البصرية، فضلاً عن التلفزيون، تجاوز مرحلة ما كان يسمى ب «الابهار البصري»، فأصبح متلهفاً لمادة تلفزيونية معمقة تقدم له بقالب بصري محبب. وفقاً لذلك، أي تغيير على مستوى الشكل ينبغي أن يوازيه تغيير على مستوى محتوى المادة الإعلامية. وفي حين لا يعوّل كثيراً على الفضائيات الرسمية الموجهة التي تكرر الكلام ذاته منذ عقود، على الفضائيات المستقلة أو الخاصة ألا تكتفي بتغيير قشورها الخارجية، بل أن تهتم بما خل`فها. فكما ان النقد يعلي من شأن الشكل والمضمون أو المعنى والمبنى معاً في الفنون الأخرى، فإن التلفزيون، مطالب بإيجاد نوع من التناغم بين الشكل والمضمون لئلا يتحول الى مجرد صورة جميلة فارغة من المحتوى، أو الى أداة معرفية وسجالية طموحة تفتقر الجمالية البصرية.