حظي برنامج الشابة السويدية الفلسطينية الأصل جينا ديراوي «عالم جينا» بشعبية واسعة لطبيعته المختلفة وتفرده في ترك مساحة ليست قليلة منه للجانب الشخصي. من هنا جاء عنوانه المقرّ بوجود عالم خاص بمعدته ومقدمته، مما يعد خروجاً عن مألوف العمل المهني وضوابطه. فالموضوعية فيه لا تأتي من احترام المسافة بين الشخصي والموضوع المتناول، بل في طبيعة المحاججة الشخصية لكل قضية مطروحة، وهي في حالة «جينا» تعبر عن مواقف وآراء قطاع واسع من الشباب مختلط الثقافة يذهب لملامسة موضوعات ذات طابع مختلف، وربما لا يعرفها المشاهد السويدي كفايةً، لهذا فالنقاشات التي تتبع عرضها كثيرة وتثير أسئلة ورغبة لمعرفة المزيد عن «عالم جينا» الذي لا يشبه بقية العوالم وهذا ما لاحظناه في بداية الموسم الثاني له، إذ التقت ديراوي بمجندات إسرائيليات قرب الحدود المصرية وحاورتهم باعتبارها شابة فلسطينية تخاف منهم وتشعر «بالغيرة» لأنها تسمعهم يقولون «هذه بلادنا ونحن ندافع عنها» في حين تشعر هي أن هذه بلادها حقاً ولكنها محرومة من فرصة الدفاع عنها، بل هي خارجها. وفي الحلقة الثانية راحت الى بيروت لتتناول موضعاً ذا طابع مختلف هذة المرّة يتعلق بالميل اللافت عند اللبنانيات لإجراء عمليات التجميل. تعترف ديراوي بأنها، وفي كل مرة تزور فيها بيروت، تشعر بأنّها قبيحة لأنّ كثيراً من النساء، وحتى الرجال ينصحونها ويشجعونها على إجراء تغييرات في وجهها وجسمها، «بعضهم يقول لي صراحة: «أنفك كبير بدّو عملية» أو «أني سمينة بعض الشيء»، أمّا ردّي عليهم فنفسه تقريباً: أنا مرتاحة ومنسجمة مع شكلي». هذه المرة قررت «جينا» تحويل زيارتها الى برنامج يحاول معرفة الأسباب التي جعلت من لبنان واحداً من بين أكثر دول العالم إجراءً لعمليات التجميل ومناقشة الظاهرة من دون محكامتها! ذهبت مقدمة البرنامج الى عيادة الدكتور هراتش ساغبازاريان، المتخصص في عمليات التجميل، وأجرت فيها أكثر مقابلاتها لأسباب كثيرة من بينها: شهرة الطبيب وتوفر إمكان محاورة مراجعيه في شكل سهل. انطلق مفتتح حوارها معه من سعة الظاهرة، وتفهمها بعض الحالات التي يضطر الناس فيها الى إجراء عمليات تجميل لكن أن يجري «كل العالم» بالتعبير الشعبي، عمليات تجميل وتنتشر بسببها ظاهرة «الأقراض البنكي» لغرض القيام بها فهذا أمر غير مفهوم بالنسبة اليها. أما الطبيب (الذي أجرى بدوره عمليات حقن بوتوكس لجبهته) فيفسره كاختلاف في طريقة النظر الى مفهوم «الجمال». فبينما في الغرب يعتبرون التجاعيد التي تظهر مع التقدم في السن كأمر عادي ويؤشر الى السنوات الطويلة التي عاشها الانسان بحلوها مرها فيما تركيزهم ينصب على حيوية الوجه، على عكس الناس هنا «ينظر الناس اليها كمؤشر سلبي على بلوغ سن «الشيخوخة» ولقناعتهم بأنّ المرء وحتى يكون محبوباً من الآخرين ومظهره مقبولاً عندهم لا بد من أن يبدو شاباً على الدوام وبوجه خالٍ من التجاعيد». يردّ الطبيب انتشار هذه الظاهرة أيضاً الى المشاهير من الفنانين على وجه الخصوص. فهؤلاء بمعظمهم يقومون بعمليات تجميل ويظهرون أمامهم في وسائل الاعلام فيتأثرون بمظهرهم ويحاولون تقليدهم. في مقهى بيروتي تلتقي جينا الفنانين نتالي حموي وإيلي شالوحي ويخلص الحوار معهما الى أن عمليات التجميل جزء من مستلزمات المهنة وسبب مضاف للنجاح، وأنّ جميع العاملين في هذا الوسط قد أجروا عمليات مختلفة (شدّ الوجه، بوتوكس، توسيع مناطق من الجسم وتصغيرها وغيرها). في غرفة العمليات، تدخل جينا مع مصورها وتشاهد على الطبيعة عملية تجميل سيدة لبنانية تصف ما جرى لوجهها ب «تمزيق جسدي مخيف»، في حين تعبر السيدة بعد نهاية العملية عن ارتياحها لأنها ستبدو ومن الآن فصاعداً أصغر من عمرها وجميلة مثل أختها وبقية صديقاتها وقريباتها اللواتي أجرين قبلها عمليات تجميل. «العدوى»، عنوان للظاهرة، فالناس يتأثرون بعضهم ببعض والتدخل المباشر في خصوصيات بعضهم يؤثر كثيراً. تنقل «جينا» حواراً ودياً مع المطربة فلة الجزائرية وتنصحها الأخيرة خلاله بإجراء عملية بسيطة على وجهها حتى تبدو أكثر جمالاً. من ثنايا الأحاديث تستنتج ديراوي وجود ميل مترسخ عند المرأة اللبنانية وربما معها الشرقية الى «إرضاء» الشريك، وربما هذا واحد من أسباب وجود الظاهرة. فالحرص على تلبية «شروط» الرجل لقبول المرأة ومن بينها أن تكون جميلة وبموصفات تتناسب مع ذائقته تدفع كثير من النساء الى تلبيتها بعمليات وهي كما تقول «اشتراطات شكلية والتغييرات لا تنشد تقوية دواخل المرأة وتمتين شخصيتها بالمعارف واحترام وجودها كما هي، بل لإظهارها كدمية بمواصفاته». لا تحاكم «جينا» ضيوفها ومن قابلتهم لكنها لم تخفِ رأيها وقالته صراحة «إذا كنت أعمل في التلفزيون السويدي ويريد مني أن أكون جميلة فليتركني منذ الآن وعلى مستوى الأشخاص فإن لم يقبلوا بي كما أنا فالأجدر بي ألا أغير من شكلي بل أغيرهم»، في نهاية البرنامج تظهر معدته من دون مكياج وتشير الى البثور المنتشرة في وجهها والى أنفها الكبير وتضحك «هذا أنا جينا ديراوي... لست كاملة ولن أبحث عن الكمال. وأفرح أن تقبلوني كما أنا».