كثيراً ما يحكى عن مادة ال «بوتوكس» Botox واستخدامها في مجال إزالة التجاعيد. والمعلوم أن اسمها علمياً هو «سمّ البوتولينيوم من النوع إيه» Botulinum Toxin Type A. وعلى نطاق واسع، تشتهر تلك المادة باعتبارها من الأسلحة الكيماوية للدمار الشامل. وتستعمل في مجال الطب أيضاً. ولا يقتصر استخدامها على تجميل ملامح الوجه، بل يعتمد عليها أيضاً علاجاً لمواجهة بعض أنواع الخلل في وظائف الدماغ التي تنعكس على العضلات والجهاز الحركي، مثل مرض ال «أتاكسيا» Ataxia. وفي المقابل، هناك جدل واسع حول نتائج استخدام ال «بوتوكس»، خصوصاً في مجال التجميل. علاج العضلات وأعصابها تحدثت «الحياة» مع د. صوفي سانغلا، وهي طبيبة فرنسية متخصصة باستخدام ال «بوتوكس» علاجياً. وتستخدم الطبيبة سانغلا هذه المادة كدواء منذ حوالى عشرين سنة، بالتنسيق مع كبار الأطباء الإختصاصيين في الأعصاب في مستشفيات فرنسا، وأبرزهم الطبيب اللبناني هاني كنعان الذي يعمل في «لا بيتييه سالبيتريار» الذي يعتبر من أهم المستشفيات في فرنسا. وأوضحت سانغلا أنها تستخدم ال «بوتوكس» للعلاج حصرياً وليس للتجميل. وعن الفارق بين هذين الاستخدامين ذكرت سانغلا، ان ال «بوتوكس» المستخدم لأغراض طبية يهدف الى معالجة أمراض على صلة بخلل في أعصاب العيون والأذن والحنجرة. وذكرت أن من هذه الأمراض يبرز ال «بلفاروسبازم» Le Plepharospasme وهو نوع من التشنج الذي يصيب الجفون ويؤدي الى انكماش غير إرادي للعيون والجفون، فيغلق محجر العين. وأوضحت أن هذا المرض ناجم عن اضطراب في الرقابة على الحركة في الدماغ، أو عن غياب مثل هذه الرقابة. وأضافت ان الدراسات المتراكمة عن تلك حالات الخلل الحركي، ساهمت في اكتشاف المزيد منها، وأبرزها الانكماش غير الطبيعي في عضلات الرقبة، وهو الأكثر شيوعاً. ولفتت الى أن المصابين بهذه الحال يواجهون صعوبة في السيطرة على حركة رأسهم التي تصبح خارجة عن سيطرتهم. ومضت تقول إن هذه التشنجات يمكن أيضاً أن تصيب الأقدام والأيدي بحيث يتعذر على المصاب السير أو الكتابة. وأكدت أن هذه الإصابات قابلة للعلاج، على رغم أن المصاب لا يشفى منها. ولذا، يلجأ الأطباء الى ال «بوتوكس» لأنه يشل حركة العضلة المضطربة، ما «يخرجها» من دائرة التأثير على إداء بقية العضلات. وأشارت الى أن ال «بوتوكس»، يستقر بعد حقنه، عند الوصلة بين العصب والعضل. وتناولت سانغلا خطورة ال «بوتوكس». وبيّنت أنه في بداية استعمال ذلك العقار، عومل باعتباره لا ينطوي على اي خطورة من أجل تسويقه. ورأت ان الحديث عن خطورته جاء بسبب إساءة استخدامه من قِبَل كثيرين. ورأت ان من السخف تصنيفه كسم خطير، لأنه ليس الأكثر خطورة. فهناك أدوية أخرى مستخدمة وهي بالغة الخطورة. وشدّدت على أن المهم في الأمر هو الاستعانة بال «بوتوكس» وحقنه بطريقة علمية ووفقاً لأساليب معينة لا يمكن تجاهلها، وعندها لا ينطوي الأمر على خطورة. وأضافت: «من المعلوم أن ال «بوتوكس» يحقن موضعياً لإزالة التجاعيد من الوجه، ويؤدي الى شلل في العضلات التي يحقن فيها». ورأت أن هذا الأمر طبيعي، لأن إزالة التجاعيد تقتضي إحداث شلل في بعض العضلات الصغيرة، ما يساعد على «شدشدة» المجموعة العضلية التي يستند إليها جلد الوجه، وبالتالي زوال التجاعيد التي تنجم من ترهل الوجة وإرتخاء عضلاته. ولاحظت أن الوظيفة الأساسية لل «بوتوكس» هي إحداث شلل في العضلات. وذكرت أن أولى الكتابات المتعلقة بال «بوتوكس» صدرت في الولاياتالمتحدة عام 1981، وانها بدأت العمل على استخدام هذه المادة عام 1989. وتابعت سانغلا، ان الاضطرابات في المناطق العصبية المتخصصة بتحريك العضلات في الدماغ تعالج في الولاياتالمتحدة بالطريقة نفسها المعتمدة في فرنسا، أي ال «بوتوكس» الذي تعتبر انه أحدث ثورة في مجال علاج ذلك النوع من الأمراض. وأشارت الى أنه قبل ذلك كان المريض يخضع لجراحة تشوه جفنيه ولا تسفر عن أي نتيجة إذ ان مصدر المرض هو الدماغ. ثم جاءت فورة الاستعانة بال «بوتوكس» في مجال التجميل. والتقط طبيب عيون أميركي يدعى آلان سكوت الخيط، فاستعمل تلك المادة حقناً لعلاج بعض الأمراض التي تصيب عضلات العينين وجفونها. وذكرت أن سكوت عالج أولاداً مصابين بمرض «سترابزم» Strabisme («غمش العين»، ويُسمى باللهجة اللبنانية «خرزة العين»). وحينها، احتاج إلى مادة تؤدي الى شلل في بعض عضلات العين، كي تتمكن العضلات السليمة من تصحيح مجمل المجموعة العضلية للعين. وأجرى اختبارات أولى على قرود، ثم بدأ يستخدمها لمعالجة «خرزة العين». وبيّنت ان سكوت اعتمد ايضاً على ال «بوتوكس» أيضاً في علاج مرض ال «بلفاروسبازم». وصولاً إلى «باركنسون». وتحدثت سانغلا عن آفاق استعمل ال «بوتوكس» كعلاج فعال لمعالجة مرض «باركنسون» Parkinson، الذي يعرف بالعربية باسم «الشلّل الرعاش». والمعلوم أنه مرض حركي مصدره الدماغ أيضاً، خصوصاً مجموعة من الأنوية العصبية التي تتحكم بالتنسيق بين العضلات أثناء الحركة. ولاحظت سانغلا وجود إمكان لإستخدامه في الحالات التي يترافق فيها مع إصابات حركية في عضلات معينة، ولكنه لا يُشكّل العلاج الملائم لمرض «باركنسون». ولفتت الى أن هذه المادة تستخدم أيضاً لمعالجة الذين يعانون من التعرّق المفرط، ذلك أن حُقن ال «بوتوكس» تجفّف العرق أيضاً. وأوضحت أنه يستعمل في علاج الأطفال المصابين بأنواع معينة من التشوهات. وتناولت سانغلا محاذير استخدام ال «بوتوكس»، ملاحظة أنه يجب أن يحقن على يد اختصاصيين، مع التزام الجرعات المحددة علمياً. وبيّنت أن استعماله بذلك الأسلوب يزيل مصادر الخطورة، مشيرة الى أن تجاوز معدل الجرعات يؤدي الى الإصابة بنوع من الحال السميّة، تُسمى «بوتيلزم» (اشتقاقاً من الإسم العلمي لل «بوتوكس») التي تشمل الإصابة بشلل عام. وأضافت ان الأشخاص الذين اشتكوا من عوارض سلبية، بعد تلقيهم حقن ال «بوتوكس» كانوا مصابين بأمراض أخرى أثّرت عليها تلك المادة. وسُئلت عما إذا شهدت حالات شفاء نهائياً بين المرضى الذين تعالجهم. فأجابت سانغلا بالنفي، ملاحظة أنها تعالج بعض المرضى منذ حوالى عشرين سنة، وهم يرتاحون دوماً إذ يتلقون العلاج. وخلصت الى القول إن ال «بوتوكس» ليس أكثر خطورة من أدوية أخرى، وأن بداية استعماله ترافقت مع حملة إعلامية واسعة النطاق لإقناع الناس به، ثم بدأت سلطات الدول المختلفة تتخوف من سوء استعماله. وشددت على ضرورة اللجوء الى الاختصاصيين واحترام الجرعات وتجنب الانحرافات، على غرار ما يحط في الولاياتالمتحدة حيث يعالج المصابون بالصداع بجرعات كبيرة من ال «بوتوكس» تحقن في مجمل الرأس، ما أدى الى الكثير من المشاكل. وأشارت الى أن الشيء نفسه ينطبق على بعض المصابين بآلام في الظهر في الولاياتالمتحدة، الذين حقنوا بهذه المادة، وبجرعات كبيرة، في عضلات الظهر كله، ما أدى الى الكثير من المشاكل لديهم. وأكدت ان الأطباء الفرنسيين لا يستخدمون ال «بوتوكس» لمعالجة الصرع أو آلام الظهر، وأنهم يقصرون استعماله على حالات محددة من الاضطرابات في الأعصاب وبعض حالات الشلل في أعصاب الوجه، ما يؤدي الى تهدئة العوارض لدى هؤلاء المرضى.