تولت كازاخستان منذ الشهر الأول من هذا العام، رئاسة منظمة الأمن والتعاون في أوروبا، الشيء الذي اعتبره المراقبون إنجازاً كبيراً لهذه الجمهورية السوفياتية السابقة، والواقعة في قلب آسيا الوسطى. وتتطلع الجمهورية الفتية خلال سنة كاملة، هي فترة رئاستها المنظمة الأوروبية لمعالجة العديد من الملفات الشائكة، وحول ذلك قال الرئيس الكازاخستاني نور سلطان نازارباييف: «من الواضح ان عاماً واحداً لا يكفي لحل جميع المسائل الخاصة، ولسنا مؤيدين للثورات في المنظمة، وبنفس الوقت لا نريد استمرار سير الأعمال كما كان فيها سابقاً، وبصفتي رئيساً لدولة مستقلة، أعتبر رئاسة كازاخستان المنظمة الأوروبية ليس فقط مشروعاً قومياً إستراتيجياً، وشهادة لزيادة النفود الدولي لبلادي، بل إمكانية لإعطاء المنظمة نبضاً وروحاً جديدة». وعبر نازارباييف عن أهمية تولي بلاده رئاسة هذه الهيئة في مقال، نشرته وكالة «انترفاكس» الروسية، قائلاً: «اعتقد ان رئاسة كازاخستان المنظمة، يمكن ان تكون بداية مرحلة جديدة من العلاقات بين الشرق والغرب وتخدم تعزيز الثقة المتبادلة، وكازاخستان ولكونها انشأت علاقات بناءة، وعلاقات عمل مع جميع الدول الواقعة الى الشرق والغرب يمكن ان تصبح ليس فقط، وسيطاً نشطاً بل ايضاً وسيطاً فعالاً بين مختلف الأطراف في حالات الصراع». وأضاف الرئيس الكازاخستاني: «أنا مقتنع بأن منظمة الأمن والتعاون في أوروبا هي المنظمة المثالية لإجراء المناقشات والمباحثات حول اصعب المشاكل في مجال الأمن». وتحدث نازارباييف عن خطط فعالة أعدتها بلاده لمعالجة، العديد من الصراعات الإقليمية المتفاقمة خلال فترة ترؤس كازاخستان منظمة الأمن والتعاون في أوروبا، وقال: «أولويتنا تتمثل في محاولة تحقيق توازن في المجالات الثلاثة التي تعد من مسؤوليات منظمة الأمن والتعاون في أوروبا: أولاً، كازاخستان لها بعض المقترحات الخاصة بالجانب السياسي والعسكري. فنحن ندعم عملية كورفو التي بدأت بالإعلان عن قدرتنا على العمل من أجل تعميق وتوسيع نطاق مسؤوليات منظمة الأمن والتعاون في أوروبا وذلك بهدف إنشاء هيكل أمني جديد في جميع بلداننا. ثانياً، الاقتصاد، وبطبيعة الحال المصلحة الرئيسية لأوروبا والعالم تكمن في الطاقة. كازاخستان لديها احتياطات ضخمة من موارد الطاقة التي يتم نقلها عبر روسيا حتى البحر الأسود وكذلك عبر القوقاز لتصل أوروبا، نحن نتطلع إلى لعب دور بارز في هذا المجال، عرف تعاوننا تطوراً لافتاً، فاليوم حوالى 25 في المئة من النفط الذي يصل إلى أوروبا مصدره كازاخستان. بالإضافة إلى ذلك فإن موقعنا الجغرافي بين أوروبا وآسيا يذكر بدورنا الهام في عمليتي العبور والنقل في هذه المنطقة. ثالثاً وفي ما يخص الأبعاد الإنسانية، نحن ندعم تنمية الحريات الأساسية وحقوق الإنسان ونرغب بأن نولي اهتماما أكبر لمبدأ التسامح فنحن بلد متعدد الأعراق والطوائف حيث هناك ما لا يقل عن مئة وثلاثين مجموعة عرقية ونحو ست وأربعين طائفة دينية وهي عاشت خلال كل هذه السنوات في صداقة ووئام. واعتبر نور سلطان نازارباييف مشكلة أفغانستان المشكلة الإقليمية الأخطر، ومن بين مختلف الصراعات أو القضايا الإقليمية الساخنة، والمثيرة للقلق الملف النووي الإيراني، وأيضا صراعات مجمدة وهي ضمن مجال المسؤوليات الملقاة على عاتق منظمة الأمن والتعاون في أوروبا، مثل ناغورنو كاراباخ بين أرمينيا وأذربيجان وترانسنيستريا في مولدافيا، والصراع الجورجي الأبخازي، والجورجي الأوسيتي الجنوبي، فضلا عن مشاكل منطقة البلقان التي لا تزال على حالها. ويؤكد نازارباييف ان التحدي الرئيسي يتمثل في مواجهة الإرهاب والتطرف والاتجار بالمخدرات. ولتحسين الأوضاع في أفغانستان، قال نازارباييف: «أعتقد أن جميع دول منظمة الأمن والتعاون في أوروبا، منشغلة بأفغانستان لأنه بعد ثماني سنوات من التحركات نحن غير قادرين على توفير الحياة الهادئة والسلمية للشعب الأفغاني. ستكون أفغانستان مصدر قلق رئيسي لمنظمة الأمن والتعاون، وكازاخستان من المشاركين في رعاية هذا المسار والآن بصفتها رئيسة لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا. ويتابع الرئيس الكازاخستاني حول أفغانستان» الشيء الأهم يكمن في أخذ القرارات اللازمة لإصلاح الوضع الاقتصادي، وحتى نعيد بناء الاقتصاد ونمنح فرص العمل للشعب يبقى مصدر الرزق الوحيد الاتجار بالمخدرات وهذا مصدر قلق عالمي». وتبذل كازاخستان الجهود لمواجهة التحديات الجديدة في منظمة الأمن والتعاون، وهي راع لعدد من المشاريع المهمة في مجال مكافحة الإرهاب. وكما هو معروف فإن 43 من اصل 56 دولة أعضاء في منظمة الأمن والتعاون في أوروبا تشترك في العمليات العسكرية، او في إعادة الإعمار الاقتصادي في أفغانستان، ومع ذلك يشير نازارباييف الى انه « لا بد من الاعتراف بأنه لا يمكن حل المشكلة الأفغانية دون مشاركة المنظمات الإقليمية»، ويؤكد ان منظمة الأمن والتعاون في أوروبا يجب ان تجد مكانتها ودورها في هذه القضية الكبيرة، ويشير الى ان أفغانستان يمكن ان تصبح جسراً بين مختلف المنظمات الإقليمية. ويتابع نازارباييف: «كازاخستان مع التركيز على عملية التأهيل، ومرحلة ما بعد الصراع، وإعادة إعمار هذا البلد المضطرب، وتؤيد الجهود التي تبذلها قوات التحالف في أفغانستان، وفي نفس الوقت فإننا ما زلنا مقتنعين بأن الحل العسكري للمشكلة الأفغانية لا وجود له». وتبدي كازاخستان على غرار العديد من البلدان الأخرى، اهتماماً حقيقياً في أفغانستان مستقرة، و تركز جهودها قبل كل شيء على المشاريع الإنسانية. وعلى الرغم من الأزمة المالية العالمية، اتخذت كازاخستان قراراً بتخصيص 50 مليون دولار من اجل تعليم ألف مواطن أفغاني في مختلف الاختصاصات في المعاهد الكازاخستانية. وبإمكان الدول المشاركة في منظمة الأمن والتعاون في أوروبا ان تعالج البرامج المماثلة في مختلف المجالات. وترى كازاخستان انه من الضروري تحقيق المزيد من تطوير الوضع القانوني الدولي لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا، وتعتزم اقتراح تنسيق عملها المشترك لوضع الوثائق ذات الصلة. وحول ذلك قال نازارباييف: «نحن واقعيون وندرك تماماً ان عملية تطوير منظمة الأمن و التعاون في أوروبا لا يقتصر على عام 2010 انها مهمة لمدة طويلة، وكازاخستان كعضو نشيط في المنظمة مستعدة للعمل في هذا الاتجاه ببذل الجهد ولسنوات عديدة. ويؤكد الرئيس الكازاخستاني ان على منظمة الأمن والتعاون في أوروبا ان تثبت للعالم انها كانت فعالة ليس فقط في زمن «الحرب الباردة»، بل لا تزال نشطة مع ارتباط وثيق في الأنسجة الحية للسياسة والاقتصاد العالمي الحديث.